تعتبر الحرية جزء من الهوية الذاتية للإنسان، وهي مفهوم متجذر يشكل ظِلًا لوجوده، ويرتبط ويمتد ليصل إلى ماهية خلقه، ولكنه حلقة ضمن مثيلاته التي تشكل سلسلة تراتبية في الحياة، ولذلك أي انحراف يصيب أي جزء من هذه السلسلة سيؤدي حتمًا إلى خلل واقعي يؤثر على الفرد والمجتمع على حد سواء.
بعد عمليات إلقاء القبض التي جرت مؤخرًا في العراق بحق أصحاب المحتوى السيئ, أثيرت مسألة حرية الرأي بهذا الصدد, وهل يمكن انطباق هذه الحالة تحت بند هذا الوصف, هذا السؤال يقودنا للنظر للأمر من زاوية سياسية مرتبطة بإطار تأريخي, وهنا أقصد بالذات تفسير نشوء الدولة وبالتحديد أكثر نظرية العقد الاجتماعي, بغض النظر عن مدى صوابها, لكن بما أن مُثيري هذا التساؤل بصيغة وبأخرى هم ليبراليون، وبما إن منظري العقد الاجتماعي (توماس وروسو ولوك) من رواد ومفكري هذا الاتجاه، فيبدو منطقيًا جدًا النظر لهذا الأمر من الزاوية التي اخترناها.
ترتبط فكرة العقد الاجتماعي كما هو معروف بنشوء المجتمع وانتشاله من الحالة الفردية العدائية، إلى حالة تنظيمية تحكمها الضوابط، وهو ما لايتم إلا بتنازل الأفراد عن بعض حرياتهم لصالح المجموع، وهذا ما يقودنا إلى ظهور ثنائية الحاكم والمحكوم، وبغض النظر عن الاختلاف بين (هوبز وروسو ولوك) في تحديد الالتزام بين طرفي هذه الثنائية أي (الحاكم والمحكوم)، فأن الغاية من هذا المقال مقتصرة على عمومية هذه النظرية، ألا وهو التنازل في سبيل التنظيم والضبط، والخروج من الحالة البدائية إلى الحالة المتقدمة،
ما أود الوصول إليه، هو إن لاتلاقي بين إطلاق الحرية والدولة بأركانها الثلاث، إذا أنها تضد السلطة إذا لم تكن تنفيها، فما المغزى من وجودها وهي المحتكرة للقوة، بغياب الشرعية التي سـتأفل هي الأُخرى فمن ذا يعطيها بالأصل والجميع أحرارًا بالمطلق؟، وهي تضد عنصريّ الإقليم والشعب معًا في آن واحد، فلا يمكن تصور ولادة المفهوم الأخير، من حيث وجود وحدة اجتماعية محكومة برابطة تنظيمية، مما يعني انسحاب التأثير أيضًا لجزء مهم من الإقليم ألا وهو الأرض، أي تجزئتها، وتحويلها إلى بُؤرة صراعية مستمرة، تتغير خرائطها وفق قوة هذا الفرد أو ذاك،
وتكون حينها العودة إلى الكهوف خيارًا مثاليًا للغاية!.
وفيما يتعلق بحرية التعبير عن الرأي، علينا نسأل أولًا هل يمكن اعتبارها أي ( المحتوى السيئ) ضمن هذا الإطار، هنا تتعلق الإجابة بإذا ماكنت تؤمن بالحرية المطلقة للفرد والمرادفة للبدائية سابقًا، واليوتوبيا حاليًا، فهنا سينتهي المطاف ب(بلى)،ماعدى ذلك ستكون (كلا)، ببساطة لأنها تعدي بأشكال متعددة، إذ يتمظهر نتاجها السلبي بالحاضر( أي الشباب) من ناحية الرمز والتأثر المباشر، والناشئة من جهة تراكم هذا التأثير السلبي ومن ثم البناء عليه، بالتالي مستقبل يعتبر فيه السوء بداهة متجذرة.
ومن ناحية الإثارة الأُخرى المتعلقة (بنسبية) التحديد، وهنا لا أُريد الخوض بهذا المفهوم لإنه ليس موضوع هذا المقال، ولكن لو سلمنا جدلًا التماشي مع هذا الطرح ألا وهو نسبية الاعتبار والتحديد، أي إن ما هو سيئ هناك قد لايعتبر كذلك هنا، فياترى ألا يعد كون دستور هذا المكان (العراق) في مادته(38) الذي قيد حق التعبير بشرط عدم الإخلال بالنظام العام والآداب، والأخيرة أي الآداب متعلقة قانونًا بالمبادئ المستقاة من المعتقدات الدينية والأخلاقية والعادات المتوارثة، ألا يعد كافيًا كون الاعتبارات هذه والتي تشكل بمجموعها الثقافة العامة، أن تعتبر هذا المحتوى سيئ، أم ترى أن أصحاب (النسبية) لايعترفون بالثوابت والموازين هذه، وبالتالي نسف المفهوم النسبي، عبر تجاهل تعدد الرؤى المختلفة نحو الموضوع، والاكتفاء فقط بأُحادية الرؤية الغربية، ألا ويعد هذا الأمر حصر للحقيقة بالزاوية الغربية، عبر إقصاء كل ما هو خارج عن ثوبها، وبالتالي يصبح لدينا حقيقة غربية مطلقة ترتدي خِرقة نسبية!.
--
أحمد الخالصي