مصطفى عبد الله الظاهر
كنت قد كتبت مقالات في شبابنا عنوانها ب ( شبابنا إلى أين ) واليوم أرى أن أوجه هذا المقال إليهم استكمالا لما كتبنا من قبل .. ولكن الغاية الآن هي تحقيق الفهم الأمثل لبعض المصطلحات التي كثيرا ما يخطئ بعضهم في فهمها بل قد يفهمون ما لا يقترب من معناها .
فالشباب عماد الأمة ونحن حريصون على توجيههم التوجيه المخلص ...ولقد اخترت مصطلحا مهما هو (الوسطية) فكثيرا ما يخطيء بعضهم فهمه فيرون انه يعني التوسط بين امرين وحسب... في الوقت الذي يعنيه هذا المصطلح انه منهج فكري أخلاقي وسلوكي يقوم على الاعتدال في أمور الحياة وعلى البحث أو التحري المتواصل للوصول إلى الحقيقة أو الصواب في التوجهات والاختيارات بحيث لا يخرج المعنى عن الثوابت الإسلامية والانسانية فقد ارتضى الله جل وعلا لهذه الأمة أن تكون ( أمة وسطا ) أي ذات منهج لا تفريط ولا إفراط ولا غلو لأن رسالة الإسلام تقوم على مبدأ الاستقامة والتزكية والموازنة بين متطلبات الروح والبدن متخذين من الدليل الشرعي إليه سبيلا ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) فالتوفيق بين حاجات الروح والنفس والجسد أو بين الروحانيات والماديات أمر ذو بال في هذا الدين العظيم ولا إكراه فيه قط . ولعل خير مثال لنا السيرة النبوية الشريفة التي ترسم لنا معنى التوسط والخيرية في هذا الدين روى أنس رضي الله عنه قال : " جاء ثلاثة رهط إلى بيوت النبي عليه الصلاة والسلام يسألون عن عبادته ، فلما اخبروا بها كأنهم تقالوها وقالوا : أين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فقال أحدهم : أما أنا فأصلي الليل أبدا وقال الآخر وأما أنا فأصوم الدهر ولا أفطر وقال الثالث وأنا أعتزل النساء ولا أتزوج أبدا. وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ قالوا نعم قال : أما والله اني لأخشاكم لله وأتقاكم له ولكني أصوم وأفطر واصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ." ذلك لأن الإسلام ليس روحيا مجردا ولا جسديا جامدا بل هو وسط يختار الخير دائما فيأخذ ما يلائم الفطرة الإنسانية لأنه دين الفطرة والخيرية والجمال والسمو والرفعة وللحياة الدنيا نصيب والآخرة المقام الأسمى قال تعالى : " وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا .." فلا اقبال على الدنيا وشهواتها بمغالاة ولا ذوبان في الروحانيات والرهبانيات ولا رهبانية في الإسلام بل زهد وبناء ركين ليوم الفصل .
حييتم وبورك فيكم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين...