الخطوات السعودية التصالحية: التاريخ لا يرحم والامبراطورية لا تموت بسكتة دماغية

أربعاء, 04/19/2023 - 06:03

يراقب العالم بحذر الخطوات التي تخطوها السياسة السعودية في اتجاة تصفير مشاكلها مع جيرانها و محيطها العربي والإسلامي تلك المشاكل التي خلقتها مُختارة أو مُجبرة (لا يهمنا). فمن يراقب هذه الخطوات مصدوماً من شدة الإنعطافة، و من يراقب مستغرباً ومتسائلاً أين ذهبت كل تلك العنتريات. ومن يراقب بحذر مستذكراً التاريخ ومقلباً لأوراق المصالح.

سنستدعي التاريخ ليخبرنا هل كان العرب هكذا يتقاتلون ويسفكون دمائهم من أجل عنزة أو ناقة ومن ثم يتصالحون وكأن الأمر لم يكن. كيف نشبت حرب داحس والغبراء وحرب البسوس و كم استمرت وكيف انتهت. وغيرهما الكثير ،  لا ندري كيف بدأت ولا كيف انتهت أو أنها انتهت نهايات هزيلة كبداياتها. 

يعطينا التاريخ مثالاً آخر وهو أن قريش عقدت مع رسول الله صلح الحديبية عندما تعاظمت قوته وعجزت عن كسره في غزوة بدر وأُحد والأحزاب، بعد محاولات قتله في مكة. ويستدرك التاريخ أن الأعراب فروا يوم حنين برغم أن النبي الكريم قال لهم يوم فتح مكة اذهبوا فأنتم الطلقاء وتَرَفَعَ بدبلوماسية نبوية وهو لم ينسى دم عمه الحمزة وعذاباته وعذابات أصحابه على أيدي كفار قريش. ولولا صمود النبي يوم حنين لانقلب الإعراب على اعقابهم. ولا عجب فقد ارتد عن الإسلام عدد لا بأس به بعد وفاة النبي. 

هذا عن التاريخ فماذا عن المصالح. يصعد المحور الصيني الروسي آخذاً معه إيران والهند والبرازيل. هذه الدول يجمعها هدف مشترك هو مواجهة الهيمنة الغربية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية. 

عندما انهار الإتحاد السوفيتي في مطلع تسعينيات القرن الماضي انهارت الدول التي كانت تحت المضلة السوفيتية. ووجدت الولايات المتحدة الساحة فارغة لشن حروب (يوغوسلافيا) واحتلال دول (العراق وافغانستان). وارساء نظام دولي جديد يتكئ على أحادية القطبية الدولية. وتحت ذرايعة نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان تارة ومكافحة الإرهاب تارة أخرى تدخلت بشؤون الدول وفرضت اجندتها، وحاربت كل من يقف في وجه مصالحها ويقاوم مشروعها.

 وفي العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين بداء توهج نجم التنين الصيني واستعاد الدب الروسي حيويته. ترافق هذا مع  ارتخاء القبضة الامريكية. 

فتقدمت روسيا في جورجيا واستعادت اوسيتيا الجنوبية (2008) واقتطعت شبة جزيرة القرم من اوكرانيا (2014) و تدخلت عسكريا في سوريا (2015). وتستخدم حق النقض (الفيتو) في مجلس الامن ضد قرارات تصوغها الإدارة الأمريكية. وفى العام 2022م تتقدم روسيا في الاراضي الأوكرانية وضمتها للاتحاد الروسي. 

تتسارع الأحداث وكأن هناك من يريد أن يرى النهاية سريعاً. فنرى منطاد صينياً فوق الأراضي الأمريكية يجمع بيانات حساسة، وتسريبات لوثائق تضر بالأمن القومي للولايات المتحدة ومصالحها وتؤثر على تحالفاتها. وتململ أوروبي من التبعية لأمريكا. ولقاءات قمة تسعى لزعزعة عرش الدولار.

ماذا يحدث!. 

في غمرة هذه الاحداث تذهب السعودية بكل بساطة إلى الصين لتصافح إيران التي وصفت قائدها بأنه أسوأ من هتلر، وأنها ستنقل المعركة إلى قلب طهران. وتعمل على حلحلة مشكلتها مع اليمن الذي دمرته خلال ثمان سنوات بأفتك انواع الأسلحة وشردت أهله وانتجت فيه أسوأ أزمة إنسانية في العالم. وتحاول احتضان سورية وإعادتها إلى جامعة الدول العربية، وهي التي انفقت المليارات لتدمير سورية، وقالت عن الرئيس السوري أنه سيرحل سلماً أو حرباً.

ماذا يحدث.

السعودية بدأت تُشاغب في أسعار النفط وضد الرغبة الأمريكية، وتنسج علاقات مع خصوم الولايات المتحدة وتعطيهم مجالاً في الشرق الأوسط الذي يُعتبر ساحة أمريكية بلا منازع. 

يجب أن اعترف، لست أنا من يصدق ان الولايات المتحدة ستتخلى بهذه السهولة عن الشرق الأوسط ولا السعودية امتلكت هامش واسع لتتحرك. فالامراطوريات لا تموت بسكتة دماغية. ولا التحولات الجيوسياسية تتحرك بهدوء جريان الماء من ينابيع. التحولات الجيوسياسية الكبيرة تتحرك كهدير فيضانات وهزات كبيرة جداً. وما الحربين العالميتين الأولى والثانية عنا ببعيد كمثالين عن آثار التحولات الجيوسياسية الكبيرة.

اعذرني ايها القارئ. سأقول ما رسخ في نفسي بعد تقليب صفحات التاريخ والاطلاع على أوراق المصالح. الولايات المتحدة شقت الصف الشيوعي لتخوض حربها الباردة مع الاتحاد السوفيتي منفرداً وحيدت الصين بوعود  تنموية وإغراءات مادية. واليوم ها هي السعودية اصبحت الرشوة التي تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية للصين لكي تبتعد عن روسيا. لأن روسيا تشكل تهديدا سياسياً وعسكرياً للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين. والصين تريد ان تنجز مشروعها (الحزام والطريق).

اتمنى ان اكون مخطئ. 

لكن الأيام بيننا.

قيس السعيدي

كاتب عربي من اليمن

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف