ياسر عبدالعزيز
حملت المعارضة التركية -في طاولتها السداسية والأحزاب الداعمة لها- مشروعا تمثل فقط في الإطاحة بالرئيس أردوغان والنظام الرئاسي، من دون حتى خطة ولا منهج ولا محفزات تقدمها للناخب التركي غير المؤدلج لإغرائه كي يعطيها صوته ، اللهم إلا بضع وعود تفتقر إلى البرامج ، وكان شعارها المرفوع في الجولة الأولى "وعد لك". ومع الهزيمة التي منيت بها الأحزاب المعارضة وخيبة أملها في تحقيق الهدف الثاني ، وهو العودة إلى النظام البرلماني ، فإنها تسعى لتحقيق الهدف الأول في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، لذا طورت من الشعار ليجذب فئات صوتت في الجولة الأولى لأحزاب أو مرشحين أقل ما يوصفون به أنهم عنصريون .
حمل شعار المعارضة ومرشحها في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية تصعيدا خطيرا، إذ رفع كليجدار أوغلو ومن يسانده شعار "سيرحل السوريون"، وهو شعار تعدى العنصرية إلى الحض على الكراهية، وهو ما يزعزع السلم والأمن المجتمعي، وسواء أبى أو رضي كليجدار وحلفاؤه وأنصارهم فإن هناك 3.5 ملايين سوري يعيشون على الأراضي التركية، ورحيلهم في ظل مراكز قانونية مستقرة يعني زعزعة لأمن البلاد، وهو ما يفهمه كليجدار جيدا، لكنه لا يعبأ بذلك ، فهو يعلم جيدا أنه يزرع فيروس الكراهية ، وللكراهية فيروس فتاك ، ما إن ينتشر في مجتمع إلا وقضي عليه . لكن الكراهية التي بدت خيارا للمعارضة من اليوم الأول لحملتها الانتخابية تجسدت في عدة مواقف تبين أن العنف خطة مطروحة على أجندة الطاولة السداسية ومن يدعمها من الداخل والخارج ، لكن مع ذلك فإن خطاب الكراهية والعنف كان حاضرا في تبني النعرات الطائفية والمذهبية ، وكذا في تصوير حزب العدالة والتنمية وكأنه الراغب في الذهاب لدائرة العنف بعد أن افتعل حادث إطلاق نار على حزب الجيد ، والذي ظهر لاحقا أنه أبعد ما يكون عن السياسة ، لكن في المقابل شهدت مقرات حزب العدالة والتنمية عدة حوادث أطلقت فيها النيران على الموجودين بالمقرات ، لكن الله سلم ، والأمر تعدى ذلك إلى خطاب كراهية طال الأتراك أنفسهم ، ولعل ما حدث في متضرري الزلزال من قِبَل موظفي بلديات حزب الشعب الجمهوري من طرد وسب ، والحملة التي شهدتها وسائل التواصل الاجتماعي من أنصاره تحمل مكونات هذا الفيروس .
بدايات عام 2013، كتبت مقالا بعنوان "قنبلة الكراهية الموقوتة"، حذرت فيه من الحالة الإعلامية والشائعات التي تستعدي جزءا من الشعب على الجزء الآخر سياسيا، والحديث هنا عن بلدي مصر، وهو ما كنت أراه سينقلب مجتمعيا بشكل مباشر، ودشن حزب "الوسط" المصري، وأنا قيادي به، حملة لنبذ الكراهية ومن ثم العنف سماها "لا للكراهية"، لكن السيف قد سبق العذل، والموجة العالية كانت قد غطت آذان الناس فلم يعودوا يسمعون لصوت العقل، لا سيما أن الإعلام وآلة إشاعات المخابرات كانت دارت، وما كان لها أن تتوقف إلا بإنجاز مهمتها، وانقسم الشعب حتى صار البيت الواحد منقسما ، والرجل خاصم أخاه ، والزوج خاصم زوجته ، وفي النهاية استطاع أعداء الوطن أن يستخدموا من رأوهم أكفاء لإتمام المهمة، والنتيجة كانت انقلابا عسكريا تدثر بالرغبة الشعبية في إنهاء الانقسام . إن ما يحدث في تركيا الآن ستكون له أبعاده ، حتى لو مرت الانتخابات ونتائجها والأيام التي تليها من دون مشكلات، واستطاعت الإدارة أن تحتوي الأمر سواء بوأده أو تجاوزه، فإن آثار الفيروس ستبقى ، فيروس الكراهية له أثر سلبي أشبه بالسموم نتيجتها في النهاية قاتلة، فالرغبة في الانتقام شعور فتاك يصيب صاحبه ومن مورس عليه، فحذار من أن ينساق هذا الشعب الطيب وراء رغبات أعدائه ، فيفشل وتذهب ريحه .