بقلم سعد احمد الكبيسي
كلما جلست في مجلس او تصفحت الانترنت، أقرأ واسمع من يتحدث عن شرف الخصومة أو أدب الخصومة، والحقيقة ان هذه المفردة قد إستُهلكت عملياً في ميدان الجدل والنقاش، فالبعض ممن يرددونها لا يتحلون بهذه الصفة، ف للخصومة مواثيق شرف لا يعرفها إلا الفرسان . يحكي لنا التاريخ أن كفار قريش عندما كانوا يريدون قتل رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة، أشاروا على أبي جهل أن يكسر باب بيت محمد ويداهمه ليلا ، فردّ عليهم أبا جهل بقولته المشهورة: (لا تتحدث العرب أن عمرو بن هشام روّع نساء محمد) ومدلول هذه العبارة أنه على الرغم من أن قائلها أبو جهل رأس الكفر والشرك إلا أنه لم يتخل عن قيم المروءة وشرف الخصومة وهي ثوابت عربية في الجاهلية والإسلام جُبلت عليها النفوس العربية الكريمة الأصيلة.
وسأل الإمام أحمد بعض تلاميذه : من أين أقبلتم ؟
فقالوا: من مجلس أبي كُريب
فقال: اكتبوا عنه فإنه شيخ صالح
فقالوا: إنه يطعن فيك
قال: فأي شيءٍ حيلتي، شيخ صالح قد بُلي بي!
حتى النُبلاءُ يقعُ بينهم الخلاف، ولو نجا من الخلافِ أحد أن يقعَ فيه لنجا منه الامام أحمد، ولكن شتَّان بين الذين يَقلبون الصفحة سريعاً، وبين الذين يَجعلون كل خلاف شرارة لحربٍ مستعرةٍ !
البطولة الحقيقية تجنّب الخصومات لا خوضها .
تعامل مع النّاس كما ينصحُ خبراء القيادة .
اتركْ مسافة أمانٍ بينك وبين السّيارات الأخرى .
مسافة الأمان هذه هي التي تمنع الحوادث .
لتصبح حياتك أجمل عليكَ أن تتقن فنّ المسافات .
جاء رجلٌ إلى الحجاج بن يوسف الثقفيّ وقال له: إنّ أخي خرج مع ابن الأشعث، فلما لم تظفرُوا به عمدتم إليّ، فضُربَ على اسمي في الديوان، ومُنعتُ من العطاء، وهُدمتْ داري!
فقال له الحجاج: أما سمعتَ قول الشاعر:
جانيك من يجني عليك وقد
تعدي الصحاحَ مباركُ الجُربِ
ولَرُبَّ مأخوذٍ بذنب عَشيرة
ونَجا المقارفُ صاحب الذنبِ
قال الرجل : أيها الأمير، إني سمعت الله يقول خيرًا من هذا!
فقال الحجاج : وما قال ؟
قال الرجل : "يا أيها العزيزُ إن له أباً شيخاً كبيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مكانهُ إنًا نَراك مِن المُحسنين، قال معاذ اللهِ أنْ نأخُذَ إلا مَن وَجدنا مَتاعَنا عِندهُ إنًا إذاً لظالمون"
فقال الحجاج : يا غلام أعد اسمه إلى الديوان، واعطه عطاءه، وابنِ داره، ومُر منادياً ينادي : صدق الله وكذب الشاعر!
عندما يقعُ بينك وبين صديق لكَ خصومة فتذكر الايام والليالي وساعات الصفاء والنقاء التي عشتوها معاً وتذكر الخبز والملح الذي أكلتماه معاً، ولا تفجر في الخصومة، ولا تردَّ الإساءة بمثلها، فإنَّ حُسن العهد من الإيمان ! قال تعالى (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو الد الخصام واذا تولي سعي في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد) وفي الحديث (ابغض الرجال الى الله الالد الخصم ) وآية المنافق ثلاث منها (واذا خاصم فجر) لماذا يحدث ذلك سؤال يجب ان يطرح ....ورأيي لسببين الاول : البعد عن الله وهذا اساس كل الشرور والثاني : غياب الكبار الراجحة عقولهم الذين كانو يفعلون قيم شرف الخصومة عندما يقع بينك وبين جار لكَ سوء فهم فتذكر كم مرةً مرضت فزارك، وكم مرةً وقف معك في عزائك، وتذكر صحون الطعام التي كنتم تتبادلونها في رمضان، وتذكر العشرة التي بينكم، فإن العِشرة لا تهون الا عند ابن ال …….. وإن حسن العهد من الإيمان!
قرأت على الانترنت رسالتين أذهلتني بين زوجين قد تطلقا .
كتب الزوج إلى زوجته السابقة يقول :
أسعد الله مساءكِ يا أم فلان! تم بحمد الله توثيق انفصالنا في المحكمة، وسيتواصلون معكِ لأجل استلام ورقة الطلاق، أتمنى لكِ التوفيق في حياتك، واستري ما واجهتِ مني!
فردتْ عليه تقول :
لم يواجهني منك إلا الخير والرقي والتفهم والتفاني والتضحية ! أعتذرُ لأني لا أستحقك!
واني لاقف احتراما وانحني لهما على نبل اخلاقهم . وأسال اثنان بهذا النبل والخلق لماذا تطلقا ؟! طبعاً البيوت أسرار لا يعلمها إلا الله ثم أهلها . ونحن اليوم نجد أن العائلة إذا اختلف أفرادها على شيءٍ من الدنيا نشروا أعراض بعضهم البعض بين الناس ، وفي مواقعِ التواصلِ ، وفجروا في الخصومة، وتناولوا الأحياء والأموات دون أدنى وازعٍ من ضميرٍ ولا أخلاق! اما مايحصل من خصومات في الكروبات او في التعليقات في الفيس بوك فهذا يحتاج مقالات من هول ما تسمع من السباب والقذف والافتراء والكذب .