محمد جواد الميالي
يعرف الإبتزاز بأنه فعل الحصول على شيء ما سواء مال أو خدمات من خلال القوة أو التهديد، لهذا المصطلح أهمية متجددة لما له من صله بالتلاعب السياسي والإكراه، والإبتزاز الشعبوي يسلط الضوء على قيام مجموعات معينة، من إستغلال مشاعر العامة وأستخدامها كوسيلة لممارسة الضغط على المسؤولين الحكوميين، بنوايا تخدم مصالحهم الشخصية.
ظهر مصطلح الإبتزاز الشعبوي في السنوات الأخيرة، وأكتسب شهرة واسعة المدى في البلدان ذات العهد الجديد بالنظام الديمقراطي، حيث يعتمد على إستغلال المشاعر الشعبوية من قبل جماعات الضغط، للتلاعب بالمسؤولين الحكوميين وابتزازهم لتحقيق مكاسب الشخصية، لم يكن العراق، البلد الذي يعاني من عدم الإستقرار السياسي والإجتماعي، بمنأى عن هذه الظاهرة، فكانت سنة الإحتجاجات في ٢٠١٨ هي الباب الذي أدى إلى توسع هذه الظاهرة، وإنتشارها نتيجة إخفاقات الحكومات العراقية..
حيث شهد العراق مشهداً سياسياً مضطرباً، يتميز بتغييرات متكررة في المناصب القيادية نتيجة الفساد والتحديات الإقتصادية والأمنية المتسارعة، أدت هذه القضايا إلى إحباط واسع النطاق بين المواطنين العراقيين، وبلغت ذروتها في إحتجاجات حاشده عام ٢٠١٨، وكان على رأس مطالبهم حكومات خدمية أفضل من سابقتها، وتحسين الوضع العام و الحد من آفة الفساد.
ساهمت تظاهرات ٢٠١٨ إلى ظهور مجموعات ضغط مختلفة، تهدف إلى توجيه المظالم العامة والدعوة إلى التغيير، في حين سعت العديد من هذه الجماعات بصدق لمعالجة قضايا ومخاوف الناس، لكن لكل ظاهرة عوارض جانبية.. حيث قام البعض ممن لديهم نفوذ شعبوي للإنخراط في ظاهرة الإبتزاز، حيث إستغلوا دعمهم الجماهيري وشعبيتهم، لإجبار المسؤولين على تقديم تنازلات ومزايا شخصية لهم على حساب الصالح العام، حيث أن البعض منهم يقول "منشوره على مواقع التواصل الإجتماعي كفيل بأن يوفر له قوت سنة كاملة!".
يشكل الإبتزاز الشعبوي ظاهرة خطيرة من شأنها أن تهدم العمل الديمقراطي للبنية الإجتماعية العراقية، لأن ذلك يقوض مبادئ المساءلة والشفافية في الحكم، بدلاً من متابعة الحوار والتفاوض البناءين.. تشجع هذه الظاهرة على نمو ديناميكية قوة غير صحية، يكون لبعض الأفراد فيها، تأثير غير مناسب على عمليات صنع القرار، حيث يؤدي ذلك إلى تآكل الثقة في المؤسسات، ويمكن له أن يديم حلقة الفساد وعدم الإستقرار السياسي.
للنهوض بالواقع الإجتماعي والسياسي للعراق يجب أن تتم معالجة الأسباب الجذرية للمشكلة، حيث يجب على الحكومات إعطاء الأولوية لإنشاء وتعزيز مؤسسات قوية ومستقلة، يمكنها مكافحة الفساد بشكل فعال، حيث من شأنه أن يقلل من تعرض المسؤولين للإبتزاز، كما يمكن تعزيز القوانين التي تجرم الإبتزاز السياسي، ليكون رادع قوي وتوفير السبل القانونية لإنصاف ضحايا الإبتزاز، حيث يجب التأكيد على أن يكون النظام القانوني غير متحيز وقادر على تحقيق العدالة، كما إن لتعزيز ثقافة الحوار المفتوح، بين المسؤولين الحكوميين وجماعات الضغط والجمهور الأوسع، يمكن أن يساعد في توجيه المظالم والمخاوف المشروعة من خلال الوسائل السلمية، وهذا يمكن أن يقلل من جاذبية وتأثير الأفراد المتطرفين الذين يلجؤون إلى الإبتزاز.
يمثل الإبتزاز الشعبوي تحدياً كبيراً لجهود العراق نحو حكم مستقر وتقدم مجتمعي، من خلال فهم أصولها، وإخفاقات الحكومات السابقة، والمخاطر التي تشكلها، يمكننا العمل على إيجاد حلول فعالة، من خلال تعزيز المؤسسات، والأطر القانونية المحسنة، والحوار الشامل، يمكن للعراق أن يقلل من حدوث الإبتزاز الشعبوي، مما يعزز بيئة مواتية للتطور والنهوض بالواقع الخدمي.