عمد ولي العهد محمد بن سلمان إلى تقييد كل أشكال التضامن مع الفلسطينيين في ظل ما يتعرضون له من مجازر دموية في حرب إسرائيل واكتفى بالسماح بالدعاء لفلسطين.
وبينما تقمع السلطات السعودية شعبها وتشدد من قبضتها الأمنية وتحجر على رأيه وتقمع حريته في التعبير، خاصة فيما يتعلق بقضايا الأمة المحورية، انتفضت شعوب بعض البلدان العربية والأجنبية دعما للشعب الفلسطيني.
وأمام تصاعد العدوان غاب الشعب السعودي عن مؤازرة الشعب الفلسطيني وتضامنه معه في فعاليات ميدانية، ما يعكس بشكل جلي السياسات القمعية الحالية التي تمارسها السلطات السعودية على الشعب وتمنعه من ممارسة حقه في حرية الرأي والتعبير، والمشاركة في القضايا الإنسانية العالمية.
وأوردت صحيفة “صوت الناس” المعارضة أنه في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023، انطلقت مسيرات ووقفات في عدة مدن عربية وإسلامية وعالمية، رفع خلالها المشاركون الأعلام الفلسطينية وقطعت فيه أعلام الاحتلال الإسرائيلي ودهست بالأقدام وأحرقت بالنار، مرددين هتافات منددة بالعدوان الإسرائيلي ومطالبة بحماية المدنيين في القطاع وداعية لوقف التطبيع مع الاحتلال.
ومن بين البلدان التي شهدت مسيرات حاشدة ووقفات احتجاجية داعمة للشعب الفلسطيني ومطالبات بوقف العدوان الإسرائيلي على القطاع وصلاة الغائب على الشهداء، كانت مصر والأردن واليمن وسوريا والعراق وتونس ولبنان والكويت والبحرين وإيران وبنغلاديش وباكستان وباريس واليابان وسريلانكا وكشمير وتركيا وموريتانيا والمغرب.
أما في السعودية، فقد قالت وكالة الأنباء الفرنسية، إن أحد صحفيها شاهد عناصر من الشرطة وهم يقيدون يدي مصلٍّ في مسجد وسط الرياض، هتف خلال صلاة الجمعة مخاطبا الإمام: “تكلم عن فلسطين، غزة تحت القصف” وأجابه الإمام: “هذا المنبر ليس للسياسة”، فيما أوقف ثلاثة عناصر شرطة الرجل، وجرى نشر سيارات شرطة أمام مساجد أخرى في المدينة.
واختلف موقف إمام الحرم المكي الشيخ أسامة خياط، وغالبته الدموع خلال خطبة الجمعة وأثناء دعائه الله تعالى بالقول: “اللهم حرر المسجد الأقصى، وانصر إخواننا في فلسطين، وكن معهم معينا وظهيرا ومؤيدا”؛ ونقلت حسابات إخبارية رسمية مقطع فيديو يوثق ذلك، منها قناة الإخبارية السعودية الرسمية وهيئة شؤون الأئمة بالمملكة.
وبموازاة ذلك، أكدت وزارة الخارجية السعودية رفضها القاطع لدعوات “التهجير القسري” للفلسطينيين من غزة، وأدانت استمرار استهداف “المدنيين العُزّل” في القطاع، وطالبت المجتمع الدولي بسرعة التحرك لوقف كافة أشكال التصعيد العسكري ضد المدنيين، ومنع حدوث كارثة إنسانية، وتوفير الاحتياجات الإغاثية والدوائية اللازمة لسكان غزة.
وتعد التحركات السعودية بمثابة تغيير في الموقف الأخير الذي أعلنه ولي العهد حين كشف عن الاتجاه نحو التطبيع الرسمي مع الاحتلال الإسرائيلي وأفاد باقتراب الوصول لذلك، كما يعد السماح لإمام الحرم المكي بالدعاء لفلسطين، بمثابة رفع ضئيل للقيود المفروضة على الحرمين فيما يتعلق بدعم القضية الفلسطينية.
وعلق الأمين العام للحزب الدكتور عبدالله العودة، على بيان الخارجية السعودية، بالقول إنه “خطاب قوي، ونتمنى أن يستمر هذا الموقف المبدئي وأن لا يكون مناورة سياسية مؤقتة”، مضيفا: “في كل حال، لغة جيدة وتحوّل عن خطاب التطبيع السابق”.
وقالت المتحدثة الرسمية باسم حزب التجمع الوطني السعودي المعارض الدكتورة مضاوي الرشيد: “يبدو أن محمد بن سلمان قد شعر باحتقان الشارع السعودي فسمح بالدعاء لفلسطين، خوفا من الانفجار الذي قد يكون الحل الأخير في ظل أن “التنفيس ممنوع”.
وحذرت الحكومات الغربية التي تسارع لدعم “إسرائيل” في إبادة منطقة يقطنها 2.3 مليون فلسطيني، بأنها “قد تندم على قرارها حيث قد ينتهي الأمر بآلاف اللاجئين على شواطئ البحر الأبيض المتوسط”، قائلة: “لا لن يذهبوا إلى مصر أو السعودية”.
وعد عضو حزب التجمع فهمي شهابي، دعوات خطيب الحرم المكي، دليلا على رضوخ محمد بن سلمان لعملية طوفان الأقصى التي انطلقت بغزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قائلا: “مع ذلك فالخطبة واضح هدفها امتصاص الغضب، حتى الدعاء (اللهم حرر) أظنه غير صحيح، يتشابه مع قول القوم الفاسقين لموسى عليه السلام: فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ”.
ورأت عضو الحزب ترف عبدالكريم، موقف السلطات السعودية “إيجابي في صالح القضية الفلسطينية”، قائلة إن المملكة كان يتحتم عليها وقف مساع التطبيع مع الاحتلال إثر عملية طوفان الأقصى، إدراكاً لمكانتها وللجرائم التي ارتكبها الكيان الإسرائيلي وما زال، في حق أهل فلسطين، والإبادة التي تجري الآن في غزة.
وأكدت أن السلطات السعودية تعرف موقف الشعب السعودي الداعم للقضية الفلسطينية، وكان لا بد من امتصاص الغضب في هذه الأوضاع الصعبة وفي ظل الكارثة الإنسانية التي تعصف بأهل غزة، مشيرة إلى وجود تغيير في موقف السلطات الرسمي الذي ظهر جلياً في بيانها وفي خطبة الجمعة من الحرم المكي.
وناشدت الناشطة الحقوقية الدكتورة حصة الماضي، شعب بلاد الحرمين، قائلة: “اعلموا أن إمام الحرم المكي لن يدعو لأهلنا في فلسطين إلا بأمر من السلطة السعودية الهشة والتي سمحت له بذلك خوفاً منكم ولامتصاص غضبكم”.
وأشاد الناشط ناصر بن عوض القرني، ببيان الخارجية السعودية قائلا: “أن تصل متأخرا خير من ألا تصل.. موقف متأخر وجيد وننتظر مواقف أكثر جدية في دعم القضية الفلسطينية مثل إلغاء مشروع التطبيع وإخراج الفلسطينيين المعتقلين في السجون السعودية وأكثر”.
وعروجا على موقف الشعب السعودي الذي لم يتمكن من إعلانه كباق الشعوب الأخرى عبر الميادين والشوارع، فقد اتخذ مغردون سعوديون بالداخل من منصة إكس، منبرا للإعراب من خلالها عن رفضهم القاطع لعدوان الاحتلال على الشعب الفلسطيني، وتأييدهم لكافة أشكال المقاومة الفلسطينية وإعلانهم كامل دعمهم لدفاع الفلسطينيين عن أرضهم.
كما تداولوا الحقائق والبراهين التي تدحض الروايات الإسرائيلية وتفضح إجرام الاحتلال وتؤكد حقيقة إنسانية المقاومة الفلسطينية في تعاملها مع المستوطنين الإسرائيليين، بعكس ما روج له الكيان المحتل من روايات كاذبة عبر إعلامه، وادعاء استهداف المقاومين للأطفال وقطع رؤوسهم، وساهم في نشرها الرئيس الأميركي جو بايدن، وتراجع عنها البيت الأبيض.
وتحت عنوان “بين الحقيقة والتظليل، نشر الكاتب السعودي سليمان العقيلي، تغريدة للصحفي الإسرائيلي أورين زيف يقول: تصلني العديد من الأسئلة حول التقارير التي نشرت بعد الجولة الصحفية للقرية عن “أطفال قطعت رؤوسهم حماس”، ولم نر أي دليل على ذلك خلال الجولة، ولم يتم ذكر مثل هذه الحوادث من قبل مسؤولي الجيش أو قادته.
وسخر رئيس مركز أسبار للدراسات والبحوث والإعلام الدكتور فهد العرابي الحارثي، من تصريحات بايدن التي قال فيها إن ما حدث في “إسرائيل” فطر قلوبنا.
وقال: “وماذا عما يحدث حالياً في غزة ضد المدنيين.. ألم يفطر قلبكً فخامة الرئيس؟! فهناك لا ماء ولا كهرباء، فالناس يموتون في المستشفيات وغداً سيموتون في البيوت والشوارع؟! فما قولك يا راعي حقوق الإنسان في العالم؟! قبحك الله حياً وميتاً”.
وأشار في تغريدة أخرى إلى أن المنظومة الصحية في غزة الآن على وشك الانهيار الكامل ما ينذر بكارثة إنسانية غير مسبوقة، قائلا: “نريد أن نسمع أو نرى موقف العالم الحر في أمريكا وأوروبا مما يجري.
وعرض الأكاديمي الدكتور هشام بن عبدالعزيز الغنام، مقطع فيديو لأن فلسطينية مكلومة، يتبع ظهورها نقل عدد من جثث شهداء غزة، قائلا: “سواء كان قديما أم حديثا، قتلوا أهلها كلهم.. كل من له مسكة من عقل، يعلم أنَّ هذا الظلم والتجبر عاقبته وخيمة وستستمر هذه البقعة التي تعربد فيها إسرائيل متفجرة تزداد اشتعالا، لا كما أرادت لها إسرائيل”.
وعلق في تغريدة أخرى على إعلان سلاح الجو الإسرائيلي أن “عشرات الطائرات الحربية والمروحيات هاجمت سلسلة من الأهداف الإرهابية لمنظمة حماس الإرهابية في أنحاء قطاع غزة”، قائلا: “نلاحظ رغبة شديدة من الإسرائيليين بإظهار القوة في غير مكانها والاستعراض بالبطش والبلطجة على العزل”.
وأضاف الغنام، أن هذا نتيجة متوقعة لما أحسوا به من إهانة كبيرة جراء الهجوم الأولي الذي تعرضوا له، والأكيد أنه يظهر هشاشة وذعر وضعف عكس مرادهم.
وأكد الكاتب والأكاديمي السعودي خالد الدخيل، أنه لن يكون هناك وقف للحرب في غزة ولا سلام في المنطقة والقرار الأميركي مخطوف في تل أبيب، مشيرا إلى أن واشنطن منحازة بشكل كامل وأعمى لرؤية إسرائيل، وتتبنى سرديتها لأحدث الصراع، كأن العرب والفلسطينيين لا وجود لهم، ينتظرون استسلام الفلسطينيين أو إبادتهم لإعلان السلام، وبايدن يعلن صهيونيته بكل فخر.
واستبق تأكيداته بكتابة سلسلة تغريدات خلص فيها إلى أن الاستراتيجية الإسرائيلية تشير إلى أن أهداف إٍسرائيل تتجاوز فلسطين، مؤكدا وجود تواز لافت بين سياساتها ببناء قدراتها العسكرية، ورفض السلام مع العرب ومعه رفض فكرة الدولة الفلسطينية، والتمسك بشكل شرس بالتوسع الجغرافي داخل فلسطين، ولا أحد يعرف أين سيتوقف هذا التوسع.