صباح الزهيري
تتداول وسائل الأعلام خبر إختفاء مايقارب خمسين ألف باكستاني أثناء دخولهم الأراضي العراقية لأداء مراسم الزيارات الدينية , وهو رقم مخيف أفصح عنه وزير الشؤون الدينية الباكستاني الذي أوضح إن هؤلاء الداخلين تبخّروا لدى دخولهم العراق .
تذكرت خبرا كنت قد سمعته من كبار السن في بغداد , عن أفتتاح ملهى في جانب الرصافة مطلع ثلاثينيات القرن الماضي , ويقع في نهاية شارع الحكومة الذي يبدأ بسوق السراي ويتجه حتى مبنى الأعدادية المركزية والملهى يتوسط الشارع مقابل الموقف المركزي سابقا , ويطل على ساحة القشلة , جلب صاحب الملهى خمسين فتاة شابة من مدينة بومبي الهندية تتراوح أعمارهن بين الثانية عشرة والعشرين سنة , وكن يعملن في هذا الملهى , ويسكن دورا قريبة مقابل جامع الحيدرخانة , وكان رواد الملهى من وجهاء المجتمع البغدادي آنذاك , وزوار بغداد من شيوخ وتجار المحافظات العراقية , وقد علمت ان جميع الفتيات لم يعدن الى الهند وأنما استقرن بعد زواجهن من عراقيين وتكوينهن أسر ذابت في المجتمع العراقي .
ومن الجدير بالذكر ان بيت البومبيلي سمي بعدها بالبيت الالماني , وكان مالكه الاصلي يدعى صباح البومبيلي وهو زوج الفنانة زهور حسين , الذي حكم بالسجن لمدة سنتين في سجن الحلة , وبسببه ماتت المطربه زهور حسين واختها في حادث وهن في طريقهن الى السجن , وفي عام 1999 تم شراءه من قبل المرحوم محمد علي طاهر الالماني , حيث قام بترميمه وحوله الى مزاد لبيع التحف والسجاد والانتيكات باسم الدار الالماني للتحف والسجاد ليتعرض بعد 9 نيسان 2003 للسلب والنهب , والدار حاليا وكما فهمت من بعض الاخوة تحولت الى مخازن لتجار القرطاسية واللوازم المدرسية . تهيج الذاكرة في دروب الوجع القديم الممتدّ منذ الاحتلال الأنكليزي للعراق في أوائل القرن الماضي , والصراع القديم للقوات الأنكليزيّة والأميركيّة للاستيلاء على النفط والآثار, منذ وفود الجاسوس (المستر تيلر تومسون) الذي قَدم إلى الأسلاف بصفته مفتش آثار, ثمّ اختفى مع نشوب الحرب العظمى كما كان يطلق على الحرب العالمية آنذاك , ثمّ عاد مرّة ثانية بعد احتلال بريطانيا للعراق ولكن بصفة جديدة , هي صفة نائب الحاكم العسكري للمدينة . في كل دول العالم يواجه السائح شروطاً ومتطلبات أمنية منذ لحظة دخوله المنافذ الحدودية أو المطار حتى مكوثه في الفندق من معلومات وتدقيق يجعل من العثور عليه أو مراقبته من الأمور السهلة , إلا في العراق فقد تبخّر الكثير من الوافدين من جنسيات باكستانية وإيرانية وأفغانية وغيرها من دول عربية وجدت من هذا البلد ملاذاً آمناً وفرصة للإستثمار غير المشروع عبر التسول وتجارة الرقيق وإنشاء عصابات للسرقة والإبتزاز .
قالت العرب : قديما اذا نزلت بأرضهم فأرضهم , واذا نزلت بدارهم فدارهم , واذا نزلت بحيهم فحيهم , ولكن أكثر من خمسين ألف باكستاني فُقدوا داخل العراق والمصيبة بل والكارثة إن الذي أعلن عن هذا الرقم هو وزير باكستاني وليس جهة عراقية يكشف رقماً مهولاً لأبناء جلدته دخلوا العراق ولم يخرجوا منه , فيما لم تنتبه الحكومة العراقية وطوال سنوات بل لم تستطع أن تنظّم حجم الداخلين والخارجين من الزائرين الذين يرومون زيارات الأماكن المقدسة أثناء المواسم الدينية. جيوش من الوافدين بأعداد لا يُستهان بها ومن دول مجاورة أو بعيدة تدخل العراق لأسباب معلنة ظاهرياً يُراد تبريرها , لكن في حقيقتها لأغراض التوطين والبقاء في هذا البلد المنهك أصلاً فهل هي رسائل مقصودة ؟ وهل تجرؤ الحكومة العراقية على إتخاذ صولة لتحييد تلك الأعداد الداخلة ؟ لا نعلم أو ربما نعلم إنها لاتستطيع .