الوطنية..ومعضلة البظان!

ثلاثاء, 02/11/2025 - 00:51

يمتاز شعبنا بالكثير من الصفات المعينة على الانسجام، في طليعتها وحدة الدين والتمسك به، إضافة إلى التكافل
الاجتماعي وحب الخير للغير، مع إرث عريق من التعايش السلمي والعلاقات الثقافية الضاربة في التاريخ.
إرث ألف بين أربع مجموعات بشرية عاشت على هذه البقعة منذ أمد بعيد ودافعت عن الأرض والعرض جنبا
إلى جنب، دون تمييز بين البيظان والفلان والصوننك والولف!
وقد استطاعت المحظرة عبر التاريخ أو كادت أن توحد بين تلك المجموعات لغويا، حيث لايزال إلى الآن كبار
السن من المجموعات الزنجية يقتصرون على الحرف العربي فيما يدونون، كما لايزالون يفضلون الحديث بلغة
القرآن عن غيرها من اللغات الأجنبية. تماما مثل ما نجد عند نظرائهم من مجموعة البيظان.
أقول هذا مع أنه لا يمكن إنكار ما قام به المستعمر الفرنسي من جهد لإحلال لغته محل اللغة التي كانت جامعة،
بما في ذلك كتابة لغاتنا الوطنية بالحرف الأجنبي!
لكن رغم كل تلك الجهود الاستعمارية وما ساهم به المتطرفون في بلادنا عبر الزمن من أعمال خبيثة لهدم
انسجام مجموعاتنا الوطنية، إلا أنها ظلت محافظة على تعايشها السلمي بفعل ما تتميز به غالبية قادة المجتمع
من حكمة وتبصر!
غير أن هذا الانسجام والتاريخ الطويل من التعايش السلمي أصبح الآن مهددا أكثر من أي وقت مضى بفعل
بعض المستجدات المحفزة على الخصام والمعينة على التنافر!
1 جنون الوسائط الإعلامية!
أتاحت وسائط الإعلام الحديثة وماتعتمد عليه من الإثارة، الفرصة لتصدر السفهاء والغوغائيين للمشهد
الإعلامي، والتحكم في توجيه الرأي العام، اعتمادا على حجم المتابعين وعدد الإعجابات، التي تتناسب طرديا
مع إثارة الموضوع وسوقية ناشره!
وهذا ماجعل المعلومة الكاذبة، غالبا، والمؤججة للمشاعر والمحفزة على الخصام تحتل المرتبة الأولى من بين
جميع المعلومات السوقية التي يقدمها أغلب رواد هذه الوسائط لحظيا!
وبطبيعة الحال ستمر تلك المعلومات المضللة والمثيرة للفتنة، في رحلتها الجنونية عبر تلك الوسائط بالجميع
فيعتمدها سفهاء المجتمع والساعون إلى فرقته وسائل لزيادة الفتق على الراتق من حكمائه!
2الاستغلال السياسي والحقوقي
من الأمور المخيفة على مستقبل التعايش بين مكوناتنا الوطنية الاستغلال البشع لقضيانا الاجتماعية من طرف
بعض القادة السياسيين والحقوقيين لجني بعض المكاسب السياسية أو المادية!
قد يظن البعض أن هذان المعولان وغيرهما من المعاول الفتاكة المستجدة يقتصر ضررهما على تهديد انسجام
المجموعات الزنجية مع مجموعة البظان فقط، لكن حسب اعتقادي أن ضرر مثل هذه المعاول من الممكن أن
يطال كل مجموعة على حدة حسب الزمن وحسب درجة وعوامل الإنشطار فيها وأعتقد أن مجموعة البظان
أكثر هشاشة أمام هذه المستجدات في الوقت الحالي على الأقل، من المجموعات الزنجية!
ذلك أن معضلة البيظان وهشاشة نسيجهم تكمن في ثقافتهم المشجعة على الإنشطار
فالمرء يمكن أن يميز بوضوح مستوى الاحتقان الانشطاري الآن داخل مجموعة البيظان اعتمادا على
الجهة(الشرك، الكبله، الساحل..)، وبنفس الدرجة على البعد الطبقي(عرب، زوايا، حراطين، صناع، فنانين)،
ويمكن أن تقول الشيء ذاته فيما يتعلق بانشطاره قبائليا..

وبطبيعة الحال كل هذه الإنشطارات الخطيرة قابلة للإذكاء أكثر عن طريق العوامل الاقتصادية وتأثير الفجوة
بين الفقراء والأغنياء!
القلق الذي ينتاب القارئ لمابين سطور العلاقات داخل مجتمع البيظان وما قد تسببه هذه المستجدات من مشاكل
في نسيجه الاجتماعي لايعني أن إخوتنا الزنوج(الفلان، السوننك والولف) في منأى عن مثل هذا الضرر، بل
سيكون تضررهم أكبر، خاصة إذاما تفككت مجموعة البيظان وتناقص عددها أمام الوافدين، عندها لا قدر الله،
سيكون الوقت قد فات على هؤلاء الإخوة!
لا أقول هذا من فراغ، بل من قراءة واقع وعلاقات هؤلاء الإخوة في البلدان الأخرى!
ختاما أريد أن أأكد أن مايتهددنا من مخاطر بما في ذلك حجم الوافدين إلينا من الدول الشقيقة والصديقة، يحتم
علينا تجاوز كل الحساسيات، أيا كانت، حفاظا على وطننا وخدمة لأحفادنا والأجيال القادمة، ولاشك أن الوقت
لايزال متاحا لذلك، لكنه يمر بسرعة.
وعليه فهذه دعوة للعقلاء من جميع مكوناتنا للوقوف صفا واحدا أمام هذا المخطط الجهنمي الذي يحاك في
الغرف المظلمة ضد وطننا الحبيب وأمتنا المجيدة!
حفظ الله بلادنا وسائر بلاد المسلمين والعرب
الديماني محمد يحي

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف