جوليان أسانج: بطل الشفافية أم عدو الدولة؟

أربعاء, 08/06/2025 - 19:34

 

 

بقلم: بيلا مالكولم

ترجمة: مريم محمد

نشأ جوليان أسانج في عائلة مكوّنة من تسعة أطفال، وتربّى تحت رعاية والدته بعد أن تخلّى والده عن العائلة عندما كان طفلاً صغيرًا. كان مسيحيًا، وطور اهتمامًا مبكرًا بعالم الحاسوب ، حيث علّم نفسه البرمجة. في سنوات المراهقته، انخرط أسانج في عدد من الأنشطة، من بينها الانضمام إلى الاتحاد الأسترالي للطلاب، وحزب نزع السلاح النووي. في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات، عمل صحفياً في عدد من الصحف الأسترالية مثل: (The Melbourne Age) و(Sydney Morning Herald)، كما أسس صحيفة بديلة تدعى (National Times). خلال هذه المدة، انخرط في عمليات قرصنة إلكترونية ، وكان له دور في العديد من الحوادث البارزة، من بينها اقتحام أنظمة الكمبيوتر التابعة لوزارة الدفاع الأسترالية في أوائل التسعينات.

في عام 2006، أسس أسانج موقع (ويكيليكس) بمساعدة نشطاء ومخترقين، من بينهم دانيال دومشيت، جاكوب أبلبوم، سارة هاريسون ، كريستيان هرافنسون، وبيرجيتا يونسدوتير. كان الموقع يرمي إلى إنشاء نظام آمن لتسريب المعلومات الحساسة إلى الجمهور. وكان أول تسريب مهم نشره الموقع عام 2007، وهو فيديو يُظهر قتل مدنيين عراقيين بأيدي جنود أمريكيين. أحدثت تسريبات ويكيليكس عام 2010 صدمةً عالمية، إذ نُشرت مئات آلاف الوثائق السرية، أبرزها كانت من محللة الاستخبارات الأمريكية السابقة، تشيلسي مانينغ، التي سرّبت نحو 250 ألف برقية دبلوماسية. كشفت هذه الوثائق عن معلومات حساسة عن السياسة الخارجية الأمريكية، والعمليات العسكرية، والعلاقات الدولية ، فيما عرف بفضيحة كابل غيت. في 11 نيسان 2019، أُلقي القبض على أسانج في سفارة الإكوادور في لندن، حيث كان لاجئًا منذ عام 2012. تسبب اعتقاله بتوتر العلاقات بين المملكة المتحدة والإكوادور، وأثيرت على الرئيس الإكوادوري حينها، لينين مورينو، انتقادات حادة لسماحه بتسليمه. كما أثار اعتقال أسانج مخاوف واسعة حول حرية الصحافة، إذ أدانت منظمات حقوقية وصحفية هذه الخطوة، وعدّتها سابقة خطيرة قد تُستخدم لمقاضاة الصحفيين على أعمالهم. اتهمته الولايات المتحدة بالتآمر، وقرصنة أجهزة كمبيوتر، وهي تُهم تصل عقوبتها إلى 175 عامًا في السجن. وأعربت منظمات مثل منظمة العفو الدولية عن قلقها بشأن معاملة أسانج في السجن، لا سيما فيما يتعلق بصحته النفسية، وصعوبة وصوله للمشورة القانونية، والدوافع السياسية الكامنة وراء اعتقاله.  يرى أنصار أسانج أنه بطل حرية الصحافة، إذ أسهمت تسريباته في كشف تجاوزات الحكومات وأثارت حوارات عامة مهمة. ووفقًا لتقرير مراسلون بلا حدود لعام 2023، فقد ارتفعت محاكمات الصحفيين عالميًا بنسبة 15% منذ بدء قضية أسانج، ما يشير إلى التأثير العميق الذي أحدثته قضيته على الصحافة الاستقصائية. في المقابل، تراه الحكومة الأمريكية مجرمًا انتهك قانون التجسس وسعى للحصول على معلومات سرية ونشرها. وأثارت القضية جدلًا واسعًا حول الخط الفاصل بين التبليغ عن المخالفات والتجسس. كما استثمرت بعض الحكومات قضية أسانج لتسويغ التضييق على حرية التعبير. بعد سنوات من المعارك القضائية، أُطلق سراح أسانج في تحول مفاجئ إثر صفقة إقرار بالذنب وافقت عليها الولايات المتحدة، ما أثار ردود فعل متباينة حول القرار.

 

 

 

حرية الصحافة في أفريقيا: المتوازيات والدلالات

 

تتردد أصداء قضية أسانج بقوة في السياق الأفريقي، حيث يواجه الصحفيون تحديات جسيمة، منها القمع الحكومي، والتهديدات القانونية، والعنف. تعمل العديد من الدول الإفريقية تحت قوانين تقيّد حرية الصحافة، مثل إثيوبيا التي تستخدم قوانين مكافحة الإرهاب لقمع التغطية الإعلامية للمعارضة. في أوغندا، شنت الحكومة حملةً شرسة ضد وسائل الإعلام الناقدة لإدارة الرئيس موسيفيني. أما في زيمبابوي، فقد تم اعتقال ومضايقة العديد من الصحفيين لكشفهم الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان. تسلط قضية أسانج الضوء على الصراع العالمي من أجل حرية الصحافة وحماية الصحفيين. ويرى كثيرون أن اعتقاله يُعد هجومًا على المبادئ الأساسية لحرية الصحافة وحق الشعوب في المعرفة. وفي إفريقيا، حيث تُقمع حرية الصحافة بشكل فعلي، فإن تأثيرات قضيته قد تكون خطرة بشكل خاص. فبعض الحكومات قد تستخدم السابقةَ التي أرستها قضية أسانج لتسويغ المزيد من التضييق على الصحفيين والمبلغين عن الفساد، ما يهدد الصحافة الاستقصائية ويعوق كشف الانتهاكات الحكومية. يثير إطلاق سراح أسانج أسئلةً مهمة حول مستقبل حرية الصحافة، ودور الصحفيين في محاسبة السلطات. وبينما يواصل الصحفيون الأفارقة نضالهم من أجل قول الحقيقة، تبقى قضية أسانج تذكيرًا صارخًا بأهمية الدفاع عن حرية الصحافة وضمان عمل الصحفيين من دون خوف من الاضطهاد. فالنضال من أجل حرية الصحافة في أفريقيا لم ينتهِ بعد، وعلى المجتمع الدولي أن يبقى يقظًا في دعم حقوق الصحفيين وحرياتهم الأساسية.

 

 

 

المصدر: مجلة (African Leadership, Issue 178)

 

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف