
*مداخلة معالي وزير الثقافة والفنون والاتصال والعلاقات مع البرلمان، الناطق باسم الحكومة، السيد الحسين ولد مدو في الندوة الوزارية رفيعة المستوى حول الحق في المعلومة في منطقة الساحل*
بسم الله الرحمن الرحيم
السادة الوزراء،
السيد المدير العام لمنظمة مراسلون بلا حدود،
السيدات والسادة ممثلو المنظمات الإقليمية والدولية،
أيها الحضور الكريم،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يشرفني أن أمثل الجمهورية الإسلامية الموريتانية في هذا اللقاء الإقليمي الهام، الذي ينعقد تحت عنوان “الحق في الوصول إلى المعلومة في منطقة الساحل”، ضمن فعاليات الصالون الدولي للإعلام الإفريقي (SIMA)، في ظرفٍ تشهده منطقتنا تتقاطع فيه التحولات السياسية والأمنية والاجتماعية، ويُطرح فيه بإلحاح سؤال المعلومة الموثوقة باعتبارها ركيزةً للتماسك، وأداةً لترسيخ الاستقرار، وسبيلاً لتعزيز الثقة بين الدولة والمجتمع.
أولاً: الحق في المعلومة — ركيزة للحكم الرشيد والتنمية في الساحل
لقد غدا الحق في المعلومة اليوم أحد أعمدة الحكم الرشيد والديمقراطية والتنمية المستدامة.
فالإعلام الحر والمسؤول هو الضامن لوعي المواطن، والمحفّز للمساءلة، والجسر الذي يعيد بناء الثقة بين السلطة والمجتمع.
وفي منطقة الساحل، التي تواجه تحدياتٍ متشابكة أمنية وتنموية وبيئية، تبرز المعلومة الصحيحة كعامل وقاية من التطرف والتضليل، وأداةٍ لتقوية النسيج الاجتماعي وتعزيز الأمن الجماعي.
وفي هذا السياق، يُشكّل إعلان داكار حول الحق في المعلومة في الساحل محطةً مفصلية لتجديد الالتزام الإقليمي والدولي بدعم حرية الإعلام، وترسيخ البعد الحقوقي للمعلومة باعتبارها حقًا إنسانيًا أصيلًا ومصلحةً عامةً مشتركة.
ثانياً: التجربة الموريتانية — من التشريع إلى الممارسة
في الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وتحت القيادة الرشيدة لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، جعلت الحكومة من الحق في النفاذ إلى المعلومة محورًا أساسيًا في رؤيتها لتحديث الدولة وترسيخ الديمقراطية وتكريس الشفافية.
وقد تُوِّج هذا التوجه بجملة من الإصلاحات والبرامج من أبرزها:
1. تحديث المنظومة القانونية والتنظيمية للإعلام، عبر مراجعة قانون حرية الصحافة وتوسيع صلاحيات السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية (الهابا)، بما يعزز استقلالها ويقوي دورها في حماية التعددية والتعبير الحر. وتم في نفس السياق اصدار قانون الصحفي المهني الذي يضمن للصحفيين حقوقهم في الحصول على المعلومات ويضمن عبر إيصال الحقيقة لمستهلكي وسائل الإعلام المختلفة.
2.يعتبر تحسين الظروف المهنية والاجتماعية للصحفيين ركيزة أساسية لتعزيز دولة القانون والحريات. وفي هذا الإطار، سارت بلادنا بخطى ثابتة لتسوية ملفات عالقة طال أمدها، ولعل الإنجاز الأبرز هو القرار التاريخي بترسيم وتثبيت أكثر من 1800 متعاون في مؤسسات الإعلام العمومي. لم يكن هذا مجرد إجراء إداري، بل كان انتصاراً للعدالة والإنصاف، وتأكيداً على قيمة العمل الصحفي، حيث وفرنا بذلك الاستقرار الوظيفي والاجتماعي لآلاف الأسر، منهين عقوداً من العمل الهش. كما واكبنا هذا الترسيم بـمضاعفة رواتب العمال الرسميين في هذه المؤسسات.
3. اعتماد رؤية وطنية للإعلام والاتصال ترمي إلى بناء بيئة إعلامية مهنية ورقمية آمنة تُيسّر تداول المعلومة العمومية وتعزز الشفافية في العمل الحكومي.
4. تعزيز البنية المؤسسية للقطاع الإعلامي بإنشاء آليات دعم وتمويل مستدامة، وفي طليعتها صندوق دعم الصحافة الخصوصية، وتوسيع شبكة الإذاعات المحلية التي تلعب دورًا محوريًا في تقريب المعلومة من المواطنين في مختلف مناطق البلاد.
وإدراكاً منا للدور المحوري الذي يلعبه الإعلام الخاص في إثراء النقاش العام والتعددية، عملنا على مراجعة آليات دعمه. لقد حققنا تقدماً نوعياً في هذا المجال من خلال مضاعفة المخصصات المالية لصندوق الدعم العمومي للصحافة الخاصة. إن هدفنا الاستراتيجي ليس مجرد تقديم دعم، بل خلق إعلام خاص مستدام، قادر على المنافسة، ويتمتع بالاستقلالية التحريرية والمهنية.، وفي الصدد نؤكد التزامنا بتعزيز الإطار القانوني والمالي لتمكين هذا القطاع الحيوي، من الولوج لمصادر تمويل تضمن أداءه لواجبه المهني على الوجه الأكمل.
5. إطلاق برامج تكوين متخصصة للصحفيين في مجالات التحقق من الأخبار، وأخلاقيات المهنة، والتغطية في بيئات الأزمات، بشراكاتٍ مع منظمات إقليمية ودولية.
6. الانخراط النشط في المبادرات الدولية لتعزيز مصداقية الإعلام ومواجهة التضليل، من خلال المشاركة في منتدى المعلومات والديمقراطية (FID) الذي انضمت إليه موريتانيا العام الماضي، والمساهمة في تفعيل مبادرة Journalism Trust Initiative (JTI)، فضلًا عن دعم مشاريع التحول الرقمي وحماية الصحفيين في الفضاء السيبراني.
7. شكلت النتائج المحققة في مجال حرية الرأي والتعبير انعكاساً مباشراً ومهماً للإرادة السياسية والإصلاحات التشريعية التي تبنتها موريتانيا. تتجسد أبرز ثمار هذه الجهود في تبوء موريتانيا لمكانة متقدمة في في مؤشرات حرية الصحافة، وهو ما يؤكد على مناخ منفتح وداعم للعمل الإعلامي المستقل. هذه المكانة المتقدمة لم تأتِ من فراغ، بل هي نتاج لالتزام الدولة بـتأمين الإطار القانوني لعمل الصحفيين، وتوفير فضاء إعلامي تعددي يضمن التعبير الحر عن مختلف الآراء. هذا التقدير الإقليمي والدولي لا يعد هدفاً في حد ذاته، بل هو حافز لمواصلة تعزيز هذه المكاسب، وتعميق الديمقراطية، والحفاظ على دور الإعلام كسلطة رقابة ومساهم أساسي في التنمية الوطنية.
ثالثاً: البعد الإقليمي — نحو تعاون إعلامي ساحلي متكامل
تؤمن موريتانيا بأن الحق في المعلومة لا يمكن حمايته ضمن حدود وطنية ضيقة، لأن التحديات التي تواجه الصحافة في الساحل عابرة للحدود: من انعدام الأمن، إلى التهديدات الرقمية، إلى التضليل المنظم.
ومن هذا المنطلق، حرصت بلادنا على إرساء مقاربة تعاون إقليمي فعّالة، ترتكز على، تُمثل الشراكة الفاعلة في الهيئات الإقليمية والعربية والأفريقية والإسلامية والدولية ركناً أساسياً في الاستراتيجية الإعلامية الموريتانية، لا سيما في الملتقيات التي تضم وزراء الإعلام. تسعى موريتانيا لتعزيز حضورها وتأثيرها في هذه المنصات، مثل مجلس وزراء الإعلام العرب، والمنظمات التابعة للاتحاد الإفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي، والمحافل الدولية. يهدف هذا الانخراط إلى تبادل الخبرات الناجحة في مواجهة التحديات المشتركة، كالتصدي لخطاب الكراهية ومكافحة الأخبار الزائفة، وتطوير البنى التحتية الإعلامية في ظل التحول الرقمي. وتعمل موريتانيا على الإسهام بفاعلية في صياغة استراتيجيات إعلامية موحدة تخدم قضايا المنطقة وتعزز صورتها، إضافة إلى الاستفادة من آليات الدعم الفني التي توفرها هذه الهيئات لتعزيز قدرات الإعلام الوطني.
• تعزيز التنسيق بين هيئات التنظيم الإعلامي في دول الساحل عبر شبكة ريرياك، لتبادل الخبرات والتجارب في مجال حماية حرية التعبير وتنظيم الفضاء السمعي البصري.
. التعاون مع المنظمات المختصة مثل مراسلون بلا حدود واليونسكو
• المشاركة الفاعلة في المنتديات القارية حول التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي في الإعلام، من أجل بلورة سياسات تراعي التوازن بين حرية المعلومة وأمن الفضاء السيبراني.
• تشجيع الشراكات الإعلامية بين المؤسسات العمومية والخاصة في دول الساحل، لتطوير مشاريع مشتركة في مجالات الأخبار والتكوين والتحقق من المعلومات.
• المساهمة في الجهود القارية لمنظمة الاتحاد الإفريقي الرامية إلى تعزيز التشريعات الضامنة لحرية الإعلام وحماية الصحفيين في مناطق النزاع.
رابعاً: نحو رؤية مشتركة لمستقبل الحق في المعلومة
إن حماية الحق في المعلومة لا تتحقق بالتشريعات وحدها، بل تحتاج إلى ثقافة مؤسسية وسلوك سياسي قوامهما الشفافية والثقة والمشاركة.
وفي هذا الإطار، تدعو موريتانيا إلى ما يلي:
1. توحيد المرجعيات القانونية في دول الساحل حول الحق في النفاذ إلى المعلومة، توطئةً لتكامل إعلامي إقليمي فاعل.
2. إنشاء آلية إقليمية دائمة لدعم حرية الصحافة وحماية الصحفيين، تحت إشراف الاتحاد الإفريقي وبالتعاون مع منظمات المجتمع المدني.
3. إطلاق برامج تدريبية مشتركة لبناء القدرات في مجالات التحقيق الصحفي، والأمن الرقمي، ومكافحة الأخبار الزائفة.
4. إدماج التربية الإعلامية والمعلوماتية في المناهج التعليمية، ترسيخًا لثقافة المعلومة الموثوقة بين الأجيال الصاعدة.
5. تحفيز الاستثمار في القطاع الإعلامي العمومي والخصوصي لضمان استقلالية المؤسسات الإعلامية واستدامتها المهنية والمالية.
ختاماً
إن الجمهورية الإسلامية الموريتانية تؤمن بأن المعلومة حق ومسؤولية، وأن الصحافة الحرة والمهنية هي الركيزة الأساسية للديمقراطية، وأحد أعمدة الأمن المجتمعي والتنمية المستدامة.
وإذ تجدد موريتانيا دعمها الكامل لـ إعلان داكار حول الحق في المعلومة في الساحل، فإنها تؤكد استعدادها لمواصلة التعاون مع جميع الشركاء الإقليميين والدوليين، من أجل تحويل هذا الإعلان إلى التزام عملي يُترجم في السياسات العمومية وفي الأداء المؤسساتي والإعلامي اليومي.
خالص الشكر والتقدير لجمهورية السنغال الشقيقة على حسن الاستضافة،
ولمنظمة مراسلون بلا حدود ومنظمة اليونسكو على جهودهما المستمرة في دعم حرية الإعلام والدفاع عن الحق في المعلومة في منطقتنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.














