لا يُمكن لأَهْدَافِ العدوان المُعلَنة على اليمن أن تُنسى من الذاكرة اللحظة التأريخية المُعاصرة وهي التي تتكرَّرُ خلال عامين كُلّ يوم أَكْثَـر من مرّة في غير وسيلة إعلامية وبيان عسكري.
وتُستحضر عند كُلّ تبرير يُصدرها العدوان لتبرير جرائمه ومسح دماء اليمنيين من على مسرح الجريمة بيافطة “الشرعية” أَوْ حماية حدود المملكة الجنوبية.
لكن الشيءَ الذي يضيعُ وسَطَ زحمة أخبار الانتصارات الإعلامية الوهمية وحفلات البروباغندا الدعائية السعوديّة – الإمَارَاتية هو صمودُ اليمنيين المحاصرين وانتصاراتهم المتتالية وتفاصيل وكواليس عملياتهم العسكرية الدفاعية هناك في حدود المملكة وَفي عُمق أراضيهم وداخل معسكراتهم في صحارى نجران وجبالها ووديان تهامة جيزان وتلال عسير وقيعانها وسواحل ميدي وبيدائها.
لا شيءٌ جرى وفقاً لما تشتهيه الرياح السعوديّة والزوبعة الأَمريكية، الزمنُ المحدّدُ مسبقاً لحربهم على اليمن تجاوز كثيراً سقفَه الموضوع، كنتيجة حتميّة لكون أَهْدَافِ هذه الحرب لا سقفَ لها وبدت نظريّات افتراضية أَكْثَـر من كونها حقائقَ معقولةً في المستطاع تحقيقها، وهذا شأنٌ يطولُ عنه الحديثُ ويتوسع إلى آفاق ليس المقال مُخَصّص لها.
اليمني من على حدود بلاده وهو يحمِلُ بندقيته يقفُ كفارس عربي متأملاً أرضَ جزيرة العرب ومستشرفاً المسافات التي كتب على نفسه اجتيازَها، مستنداً إلى أمجاده اجداده، يصنع هذا بعد كُلّ إنجاز عسكري يُحققه ضد عدوه المعتدي السعوديّ، ومن الطلقة الأولى التي احتجزها حلماً وصبراً قرابة أربعين يوماً شرع يستعيدُ مساحاتٍ واسعةً من أرضه المغتصبة حديثاً بدءاً من تلك الجبال التي زحف عليها الجيش السعوديّ في جيزان وعسير عقب ثورة الحادي عشر من فبراير 2011م، كانت مهمة صعبة فرضت على المقاتل اليمني الشروع في عملياته الحربية من داخل أراضيه، لكنها سريعة، لم تدُم شهرَين حتى انتقلت المواجهات إلى الأراضي السعوديّة، بدءاً من جيزان، حيث انتهت معاركُ الجبال (تويلق وَإم بي سي وغيرها)، وبدأت معاركُ السهول والوديان فكانت موقعة مقبرة وادي جارة الشهيرة التي دمّر فيها المقاتلون اليمنيون أربعَ عشرة آلية مدرعة سعوديّة جميعها أَمريكية الصنع، من بينها دبابات الأبرامز.
تزامنت هذه الانتصاراتُ مع اشتعال النيران اليمنية في عشرات المواقع العسكرية السعوديّة في عسير ونجران وتفجير أبراج الرقابة الاسمنتية التابعة لحرس الحدود السعوديّ، وفي المقابل حشد النظامُ السعوديّ قواتِه العسكرية بصورة غير مسبوقة في تأريخه إلى حدوده الجنوبية، الخيبةُ لم تكن سعوديّةً وحسب، وإنما بلغت أدخنة الابرامز الأَمريكية أنوفَ المسؤولين الأَمريكيين فاشتموا رائحة إهانة تتعرّض لها المصانع الحربية الأَمريكية خَاصَّـةً مع إسقاط الدفاعات الجوية اليمنية للطائرة الأحدث والأشهر وَالأعلى تمكيناً قتالياً وتزويداً عسكرياً (الأباتشي)؟
الصورة القادمة عبر عدسات الإعلام الحربي من أراضي المملكة الجنوبية على مدار العامين رسمت في وعي الشعوب وحتى الأنظمة العالمية خارطة انتكاسة متسارعة يعيشها الجيش السعوديّ على نحو غير متوقع بالنسبة لكل من يطلع ويراقب صفقات التسليح السعوديّة التي تُعد هي الاضخم في تأريخ تجارة الأسلحة، وهذه الصفقات لم تكن إلا مؤشرات قلق تطور مع الأحداث إلى حالة رُعب يعيشها النظام السعوديّ يومياً مع توالي الانتصارات اليمنية وتعاظم صمودهم، إزاء تسارع الانهيار الحاصل في صفوف الجيش السعوديّ.
القلقُ السعوديُّ من مشاهد الإعلام الحربي اليمني بدا أنه يفوقُ كثيراً قلقَهم من العمليات العسكرية نفسها، من الواضح أن وجع السعوديّة يتجاوز جغرافية المعركة وحدود الجبهة الحدودية إلى مقومات الوجود السعوديّ والنفوذ السياسي للأسرة الحاكمة نفسها، سواء على الصعيد الداخلي أَوْ على صعيد التجاذبات الإقْليْمية واللعبة الدولية، السعوديّة تخشى اهتزاز مكانتها وتدني مستوى وكفاءة خدماتها المقدمة على طبق من خيانة إلى الأَمريكيين ولذا فإحراق مائة دبّابة ابرامز أهون لديها من تصوير واحدة وهي تحترق وبماْذا تحترقُ بـ(الولاعة)؟!.
لم تحقق السعوديّة خرقاً يُذكر على الجانب اليمني برغم استبدالها حرس حدودها وحرسها الوطني بآلاف المنافقين والمجندين العملاء اليمنيين، واستعانتها بخبرات حلفائها واللاهثين وراء مالها أَوْ نفطها فيما لا يزال المقاتل اليمني يحتفظ ويحافظ على كامل إنجازاته التي حقّقها داخل أراضي المملكة ويضع يده على عشرات المواقع والمعسكرات والجبال والثكنات ومخازن الأسلحة السعوديّة.
الأحداثُ تدورُ بعيداً عن الأَهْدَاف المعلَنة للعدوان، ورياح العاصفة ترتد بقوّة في وجوه ملوك وأمراء البترودولار، وأمامَ تضاعُف أَسْبَـاب الخيبة السعوديّة وَتراكمات الفشل وَتداعي مكانة الجيش السعوديّ الذي لم يُحارب من قبل، كان النظام السعوديّ يهربُ إلى الأمام ويغرق أَكْثَـر في دماء اليمنيين، حتى كانت المجازر هدفاً بحد ذاتها يسعى من خلالها النظام السعوديّ لصناعة حدث إعلامي يُغطي فضيحة جيشه على أراضيه الجنوبية، ولم يعوّل كثيراً أَوْ يهتم لبيانات وإدانات منظمات حقوق الإنْسَـان، فالمال السعوديّ كفيلٌ بتغطية كُلّ انتهاك وسيبقى مدراراً طالما التزم المجتمعُ الدولي الصمتَ، حتى اصطلحت الصحافة الغربية ووسائل الإعلام في لفتاتها النادرة إلى الانتهاكات في اليمن على تسمية العدوان بـ (الحرب المنسية)، وأضحت موادُّ الإعلام الحربي ومواضيع تتعلّق بهزائم الجيش السعوديّ مادة دسمة تتناولها بكثير من السخرية الصحف الغربية من حينِ لآخر.
ولا يزال السؤال الأول هو آخر سؤال يُطرح اليوم على أرباب هذه الحرب وقادتها من واشنطن وحتى الرياض: ما أَهْدَاف هذا العدوان وَما طول نفَسه أمام مخزون اليمنيين الذي لا ينفَدُ من الصبر والبأس؟
وقد يُطرَحُ السؤالُ من زاوية أَكْثَـر وضوحاً وأبعد مدى على هذا الشكل: هل تُدرك واشنطن العلاقة الطردية بين طول أمَد الحرب واشتدادها وبين تزايد قدرات اليمنيين وتضاعُف خبراتهم؟ وهو سؤالٌ يقودُ لتساؤُلاتٍ عن طبيعة المستقبل الذي أرادته أَمريكا للسعوديّة؟
يحيى الشامي