لم تكتفِ دول الخليج ومعها الولايات المتحدة بتدمير ليبيا الدولة وشرذمة شعبها، وها هي عواصم تلك الدول تجهد لتقسيم المقسَّم، وماذا لتنفيذ هكذا مخطط غير اللعب على الأوتار المذهبية؟
وكأن ما أصاب ليبيا من قتل للبشر ودمار للحجر لا يكفي، حتى بدأت تخرج إلى العلن سيناريوهات تقسيمية تقودها الإدارة الإميركية الجديدة، وتذكي أدواتها دول خارجية على رأسها السعودية والامارات وقطر. وفي هذا المقام كان الرئيس الأميركي السابق باراك اوباما حذر الرياض وأبو ظبي من مغبة تغذية الصراع بين الليبيين.
وكشفت صحيفة “الغارديان” البريطانية أنَّ المسؤول في البيت الأبيض سيباستيان غوركا اقترح في اجتماع مع دبلوماسي أوروبي خطةً لتقسيم ليبيا، وهو أمر نال استنكار السياسي الأوروبي الذي اعتبر أن مثل هكذا فكرة ستكون “أسوأ الحلول” لليبيا.
تُقسم الخريطة التي تم الكشف عنها ليبيا إلى 3 أجزاء، الجزء الأول هو إقليم برقة العثماني القديم في الشرق حيث تسيطر حكومة اللواء خليفة حفتر المدعوم من السعودية والإمارات ومصر، والثاني في العاصمة طرابلس إلى الشمال الغربي حيث السيطرة لحكومة الوفاق الوطني المدعومة أميركياً وقطرياً، أما القسم الثالث فيقع في فزان إلى الجنوب الغربي.
لا يمر هذا المخطط التقسيمي من دون دور أساس تلعبه الدول الخليجية، فسعت السعودية إلى إسقاط الحركات الإسلامية في ليبيا، خصوصاً “الإخوان المسلمين”، وعمدت لدعم الحركة الوهابية، وقد تسربت الحركة إلى المؤسسات الدينية وبعض أجهزة الإعلام، فاشتدت سيطرتها، وتمددت بين الليبيين موقعة الشقاق في ما بينهم، مودية بهم إلى نيران التناحر والتكفير.
انتهجت قطر توجهاً خاصاً، فاستغلت سطوتها الأولى على الاعلام في ليبيا لتمكين “الإخوان المسلمين” من التغلغل في مؤسسات الدولة، وقامت بتسويق السياسيين وصناعة المظلوميات العرقية والدينية.
أما الإمارات التي تسيطر على قرابة 70 في المئة من الإعلام الليبي، فقد احتضنت مجموعة من السياسيين ممن يوصفون بـ”الليبرالييين”، جاء ذلك بعدما أعلنت قطر حرباً اعلامية شرسة ضدهم لمصلحة “الإخوان المسلمين”.
بسلاح الدين والاعلام، تحاول الدول التي ساهمت في تدمير ليبيا الجنوح نحو سيناريوهات التقسيم، وهو أمر يفتح الساحة الليبية على مزيد من القتل والتناحر وبشكل سيتخذ منحى أكثر عنفاً، وهو أمر من شأنه أن يضرب عرض الحائط كل الجهود الدولية والأممية لإيجاد حل توافقي بين الليبيين.