يدرك الشعب اليمني، الذي تصيبه القنابل الأميركية التي يسقطها الطيارون السعوديون، جيداً أن الولايات المتحدة متواطئة في معاناته. تنامي الشعور المعادي للولايات المتحدة في اليمن يجب أن يكون جرس إنذار للأميركيين بأنه إذا لم تهتموا بملايين اليمنيين الذين يعانون فإن عليكم توقع ردّة الفعل السلبية في المستقبل.
اثنان من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوري راند بول والديمقراطي كريس مورفي يعرفان تماماً الآثار المترتبة وحاولا وقف صفقات الأسلحة مع السعودية. قال مورفي إنه “لا مصلحة للولايات المتحدة في دعم حرب لم تساهم سوى في تعزيز أعدائنا الإرهابيين، وتفاقم المعاناة الإنسانية، وإثارة الخوف والغضب في أوساط الشعب اليمني تجاه الولايات المتحدة” محذراً من أن “الأمر سينقلب علينا”.
للأسف فشلت إدارة ترامب والغالبية في مجلس الشيوخ في الاستجابة لدعوتهما. في 13 حزيران هزم مشروع قرارهما لوقف صفقة الذخائر الموجهة بدقة مع السعودية من خلال التصويت.
التصويت أحدث انقساماً في صفوف الحزبين مع اعتراض أربعة جمهوريين وخمسة ديمقراطيين. كما أحدث انقساماً بين منظمات السلام والمنظمات الإنسانية من جهة والإدارة الأميركية وجماعات الضغط لمصلحة الحكومة السعودية وشركات صناعة الأسلحة من جهة أخرى.
ثار بول الذي كان يدفع باتجاه رفض القرار، على أعضاء مجلس الشيوخ الذين بدوا أكثر اهتماماً بشأن الوظائف التي تؤمنها شركات صناعة الأسلحة من حياة الأطفال اليمنيين، مستغرباً كيف لأشخاص أن يفكروا بجني المال فيما سبعة عشر مليون شخص مهددون بالمجاعة.
لم يأت بول على ذكر أن العديد من أعضاء مجلس الشيوخ سواء ديمقراطيين أم جمهوريين حصلوا على عشرات آلاف الدولارات من قبل الشركات المستفيدة من هذه الصفقات لقاء مساهمتهم في الحملة.
بالرغم من الخسارة، فإن التصويت مستوى المعارضة غير المسبوق للصفقة في أوساط مجلس الشيوخ. جهد مشابه خلال ولاية أوباما فشل هو الآخر بنتيجة 71 مع و27 ضدّ. وقال مورفي “إن نتيجة اليوم لم تكن واردة منذ وقت ليس ببعيد لكن الكونغرس التفت أخيراً إلى أن السعودية تستخدم الذخائر الأميركية في استهدافها المتعمد للأهداف المدنية داخل اليمن”.
يبدو اليمنيون يائسين من أجل إنهاء الصراع الذي دخل عامه الثالث. قرابة 19 مليون شخص يحتاجون للمساعدة و6.8 ملايين معرضون لخطر المجاعة. أضيف إلى ذلك تفشي الكوليرا التي تجاوزت حالات الإصابة بها 124 ألف حالة ومن المتوقع أن تتضاعف كل أسبوعين. قرابة نصف المنشآت الطبية دمر فيما يموت طفل يمني كل عشر دقائق بفعل الآثار المجتمعة الناجمة عن الجوع ونقص الخدمات الطبية.
استهدفت القوات السعودية المزارع ومصانع الأغذية والبنية التحتية المائية والمحال التجارية وحتى ميناء الحديدة الذي تدخل عبره أكبر المساعدات الإنسانية للبلاد.
إن الدعم الأميركي للتدخل السعودي ضدّ الحوثيين في اليمن ليس بجديد. لكن بعد قصف السعودية صالة عزاء في تشرين الأول 2016 والذي أسفر عن مقتل 150 شخصاً، علقت إدارة أوباما صفقات بيع الذخائر التي يمكن أن تستخدم في اليمن وتراجعت عن دعمها اللوجستي.
إلا أن ترامب كان سريعاً في استئناف صفقات الأسلحة، مفاخراً بالتوصل إلى صفقة ضخمة بقيمة 110 مليار دولار خلال زيارته إلى المملكة في أيار/ مايو.
مع تنامي الرفض للدعم الأميركي للسعوديين وعدت العائلة المالكة ترامب بأن قواتها العسكرية ستخضع لتدريب صارم من قبل الولايات المتحدة من أجل الحدّ من الخسائر البشرية، من خلال برنامج تدريب بقيمة 750 مليون دولار وقعت عليه السعودية.
كذلك وافق السعوديون على حضور المستشارين الأميركيين في مركزهم لمراقبة العمليات الجوية بعد أن كان الأمر مقتصراً في السابق على السماح لفريق أميركي صغير بالعمل من مكتب آخر من أجل تنسيق المساعدة اللوجستية.
لكن التدريب الأميركي أو حتى الحصول على مقعد في غرفة العمليات لن يوقف الصراع، ما يمكن أن يؤدي إلى ذلك هو فقط وقف لإطلاق النار ومحادثات سياسية. في كانون الأول 2015 انطلقت المحادثات برعاية الأمم المتحدة بالتزامن مع وقف لإطلاق النار لكن لم يتم التوصل إلى أي اتفاق. الأمر نفسه تكرر في تشرين الأول 2016.
يقوم مجلس الأمن الدولي الآن بمحاولة جديدة لمعالجة الصراع داعياً الأطراف كلها للسماح بوصول الامدادات الغذائية وإبقاء كل الموانئ مفتوحة (خصوصاً ميناء الحديدة الذي هدد السعوديون بأخذه من الحوثيين) وبذل المحاولات الصادقة من أجل التوصل إلى حلّ سياسي. في هذا المكان يجب أن تبذل الولايات المتحدة جهودها. لكن الناس في المنطقة يعتقدون أن الأمر لن يحصل ما لم تكن هناك مصلحة أميركية جدية في الحلّ السياسي.
حتى لو أن اهتمام ترامب منصبّ فقط على وضع “أميركا أولاً” سيكون من الجيد أن يتوقف عن التورط في قصف اليمنيين وأن يستخدم بدلاً من ذلك “فن الصفقة” الخاص به للانضمام إلى الأمم المتحدة من أجل إنهاء هذا الصراع الكارثي.