لو بحثنا في ثنايا حركة السيد الحكيم لست سنوات مضت لوجدناها تدور حول محورين: الاول ادامة زخم الوعي لعمل سياسي في ساحة الوطن دون الذهاب الى الساحة الاقليمية وعدم اقلمة او تدويل القضايا الوطنية وبالتالي تقوية الدولة بمفهومها العام، والثاني: خلق اجواء اخوية مبنية على اعراف سياسية واضحة المعالم وتغليب لغة العقل واسلوب الحوار لمناقشة كل القضايا الخلافية وعدم الانجرار لمهاترات الاعلام والتصعيد الطائفي واللعب على المتناقضات.
وقد سجل نجاحا باهرا في هذا المجال خصوصا بعد ظهور داعش واحتلالها لثلث العراق، فكانت حركته السابقة قد مهدت للكثير في مجابهة عصابات الكفر والضلال بتلاحم ظاهري على الاقل لكل القوى السياسية وحقيقي للقواعد الجماهيرية، وزادت حركته خصوصا عندما تصدى لزعامة التحالف الوطني فقد اخرج الاخير من قمقمه الى ساحة الشعب، وادرج له رأي على صعيد الوطن والاقليم وبدء يؤسس له كيان سياسي مستقل بقيادة وامانة عامة وكأنه يسقط رؤية لشيء اكبر حتى اصبح التحالف مؤثر وصاحب قرار، وكانت محطة الاختبار له في اقرار اصعب قانون عارضه الخارج والداخل بتهديد مباشر، لكن حنكة ومكنة القائد الشاب تم اقرار القانون وابعد الحشد عن الاستغلال وعضد الدولة مستقبلا.
رافق هذا الحراك حراكا اخر تجلى بنظم طاقات شابه قادرة احدثت تغييرا ملحوض باسلوب العمل اعتمادا على الجهد الذاتي، ليعطي صورة ان الاعتماد على النفس في العمل وتقوية الداخل افضل بكثير من الاستقواء بالخارج على شركاء الوطن، وكان هذا الحراك بالحقيقة تمهيدا لمشروع اكبر يعرفه فقط صاحبه والذين يعملون فيه، ليكون مشروعا لمرحلة ما بعد داعش بديلا عن مبدأ المحاصصة التي قامت عليها العملية السياسية منذ2003، ومبدأ تشكيل الدولة ومؤسساتها الذي يفترض التوازن في كل شيء، فكانت مبادئ تيار الحكمة الوطني العشرة التي اعلن عنها تؤسس لظاهرة افتقدها العمل السياسي في زحمة التقاطعات والازمات وتعالج وتصحح في نفس الوقت منظومة العمل لترتقي لمستوى مسؤول في بناء الدولة.
لا يختلف اثنان على خيمة الوطن فالكل يتواجد بها ولا يتقاطع احد مع غيره في حدود الوطن الا على الحقوق، التي تترتب في ضوئها واجبات كثر، والا لا توجد حقوق بدون واجبات والعكس صحيح، لذلك كان تيار الحكمة منطلقا من ارث تأريخي عمره 100 عام من الجهاد والعمل على احقاق الحق ورفض الضلم والطغيان الواقع على من يمثله او غيره الذي تعايش معه تحت خيمة الوطن، ومن فكر عابرا للمسميات والطوائف ومنسجما مع واقع مشخص بدقه من حيث الصعوبة التي تكمن في تفاصيله، والحلول الناجعة له فكان يهدف الى ايجاد مساحة مشتركة بين القوى السياسية في حدود التعامل من جهة وبينه وبين الجماهير من جهة اخرى فكان الخطاب وطنيا يلبي رغبة الجماهير، ويحقق طموحها في الاصرار على ترسيخ فكرة دولة المواطنة التي تعتمد كليا على العمل المؤسساتي لا دولة المكونات او الاحزاب.
وفي محضر الذين شككوا في النية وخطوة التأسيس وعدوها مناورة سياسية انتخابية لمواجهة مرحلة مقبلة سيشهدها العراق، ووصف تيار الحكمة والمجلس الاعلى بانهم وجهان لعملة واحدة وهذه بالحقيقة ليس بجديدة من قبيل التسقيط لا غير وهي محاولة للنيل من زعامة وطنية شهد لها القاصي والداني والعدو قبل الصديق بالوسطية والاعتدال والخطاب الوطني واقول نعم متشابهان فقط عقائديا حيث الاثنان ينتهجان فكر السيد محمد باقر الحكيم (قده)، ويختلفان سياسيا بامور كثر اهمها الخطاب واسلوب العمل والاعتماد الكلي على الطاقات الشابة الوطنية وتمكينها والاستقواء بها لتقويم الدولة لا لتفتيتها، وهذا الامر الذي اوصل العراق الى التشضي والتفكك وطريقة التعامل مع الساحة العراقية، واهم ما يميز تيار الحكمة الوطني انه تيار وطني لم يقيد بالإسلامي منفتح على الجميع في اطار الوطن فهو عابر للمسميات والطوائف والمكونات، كما يؤسس لدولة مدنية عصرية عادلة تصان فيها الحريات وتحفظ الحقوق فضلا عن اتباعه لمنهج ورؤية واحدة ويعمل بروح الفريق المنسجم الذي غاب عن الساحة السياسية طوال الفترة بعد 2003 وليومنا هذا ويسعى جاهدا في حركته لتمكين الشباب والمرأة والكفاءات المستقلة، ويرفع شعار البقاء للأصلح والأكفأ وليس للأقوى والأغنى، ويستهدف التغيير في مضمون عمله ويعمل على الإصلاح والتجديد ومواكبة التغيرات
وأن خطاب 2017 خطاب بناء الدولة ومؤسساتها مرتكزا على تطوير النظام الإقتصادي التنموي ويهتم بالتعليم كركيزه اساسية للتطور وصولا الى دولة ناجحة.
وهذا لا يتحقق الا بسواعد ابناء الوطن الذي يحركهم حبهم لوطنهم، كما حرك الكثيرين من الشباب الذين تسابقوا دفاعا عنه عند تلبيتهم لنداء المرجعية الدينية المتمثلة بسماحة اية الله العظمى السيد علي السيستاني اطال الله في عمره الشريف وابقاه ذخرا وملاذا للعراقيين جميعا.
لذلك لم يكن تيار الحكمة الوطني حالة انتخابية عابرة ولا ترف سياسي بل ضرورة وطنية ملحة في بلد يئن من التدخلات، واذا كان تيار الحكمة ضرورة وطنية من حقنا ان نتسائل: هل سيكون لشباب العراق موقف واضح ومساند له في فكرته عن تمكين الشباب ؟
د.محمد الغراوي