التحشيد الشعبي فكرةً يسارية, إبتكرها لصد اليمين الديكتاتوري, فوجدها حلًا ناجحًا وسلاحًا مُتمثلًا بالسطوة الجماهيرية، قادرًا على تجفيف منابع القمع السلطوية, ومُخرجاً شيوعياً، ظهرت إرهاصاتهُ الأولى إبَان الثورة الماركسية، مُعلنًا نهاية عصر الشيوعية التقليدية، وبداية عصر الشيوعية الحديثة.
بعض الحركات العربية نجحت نجاحًا كبيرًا في أدلجته واستغلاله، مُنتجةً لنا قوميةً بطعم الماركسية, بعثيةً بالطعم ذاته، عصر يراه البعض ذهبيًا وأجده عكس ذلك، لأن التحشيد الجماهيري واجتماع الكلمة أمر يصعُب تحقيقهُ حتى في المشاريع السماوية، صعوبةً تكمُن في مُحاكاة الذائقة الشعبية وميولها ومحاولة إقناعها، لذا نجد خلف هذه المشاريع مقدارًا متواضعًا من الصدق والواقعية، كبيرًا من الكذب والخيالية.
لم نبتعد عن الفكر الماركسي كثيرًا، باختلاف الزمان والأدوات، فدراسة توجهات وميول القاعدة، ضرورياً في صناعتها، بوجود مُجتمع, مُطلعًا على العالم، طامحًا بالتقدم، ناقمًا على الفساد، مُحاربًا للإرهاب، حالمًا بالمُنقذ، أصبح واضح المعالم أمام صُنَّاعه، وأساسًا في مُعطيات انطلاقتهم لتقمص الأدوار، المُنقذون، المُحاربون, المُقاتلون, الموصوفون بكُل فضيلة، اللاعنون لكُل رذيلة، فارضين أنفسهم رموزًا ومفاخر على أصولهم وخلفياتهم، يعزفون على أوتار الإثنية والعرقية، مُروجين لخطورة الاَخر، مُصدرين أنفسهم حلولًا.
يبدو أن قُدرتنا في صناعة الثورات الشاذة، أصبحت لافتة بدرجةٍ لا لبس ولا التباس فيها، بما يقتضي حتمية اتخاذ وقفة جادة، تفضي إلى معالجةٍ مجتمعية، لا تتحملها جهة واحدة بعينها، ولُقاح ثوري، نهضوي الفكر، وطني الخطاب، يُحقن في عقل الفرد فتُشفى به أُمَّة, فلا نُريد مُحترفين في فن التحشيد، بل نبحث عن مُحترفين في فن التخليص والانتشال، مشهداً نراهُ مُتكرراً لبعض النُخب, حيث لا مشاريع, لا برامج، مُنصبًا إهتمامهم في تسخير الإمكانات وتذليل العقبات, خدمةً لحملات التسقيط، مبينةً أن الجميع فاسدون ومُظهرةً ملائكية المتحدثين.
لوحةً سوداويةً، ورسمًا مُظلمًا، مُتمثلًا بمُحاولة (X) ، إثبات فساد (Y)، ومُحاولة (Z) ، إثبات فساد (X)، الذي بدوره تكلم عن تعرضه لحملات تسقيط مقصودة، بسبب كشفه لملفات فساد (Z)، فخرجت بصُداع فاقدًا التركيز، دائرًا حول محور تلك الإحداثيات، عاجزًا عن تحديد أنزه الفاسدين!
الكاتب: سعد السلطاني