تمتلئ هذه الأوقات بالغضب في المملكة العربية السعودية، الملكية المطلقة التي تفضل كتابة خطط تغييراتها السياسية قبل أعوام عديدة. وعلى مدى الأسبوعين الماضيين، ألقت الشرطة القبض على عشرات الشخصيات العامة التي يبدو أن لديها القليل من القواسم المشتركة. وأبرزها الشيخ «سلمان العودة»، رجل الدين الشعبي الذي ينشر النصائح الدينية لأتباعه البالغين 14 مليون على تويتر. بيد أن القائمة تضم أيضا كاتبا وناشطين في مجال حقوق الإنسان، وحتى مسؤولين من وزارة العدل. وفي 11 سبتمبر/أيلول، انتقد «خالد»، شقيق «العودة»، اعتقال شقيقه على موقع تويتر، وقد تم اعتقاله هو الآخر بعدها بوقت قليل.
وجاءت دوافع المملكة مبهمة في هذه الاعتقالات. وجاءت الاعتقالات قبل 15 سبتمبر/أيلول، وهو اليوم الذي دعا إليه ائتلاف من الناشطين لتنظيم احتجاجات للمطالبة بمزيد من الحرية السياسية. وقد جاء الموعد المحدد ومر بهدوء، ويرجع ذلك جزئيا إلى الوجود الكثيف للشرطة في شوارع المدينة. وألمح مسؤولون سعوديون إلى أنه كان هناك مؤامرة أجنبية نظمتها جماعة الإخوان المسلمين. ودعا أحد المعلقين إلى «حملة اعتقالات لتطهير مؤسسات الدولة». وكانت وسائل التواصل الاجتماعي تضج بالحديث عن شائعات حول اقتراب الملك «سلمان»، البالغ 81 عاما، من التنازل عن العرش لابنه.
وحتى هذا الصيف، كان «محمد بن نايف»، وزير الداخلية السابق، هو الخليفة المفترض للملك. ولكن في شهر يونيو/حزيران، غير الملك ترتيب الخلافة، وصعد ابنه «محمد بن سلمان» ليكون الوريث الأول للعرش. وفي سن 29 عاما فقط، تولى الأمير الشاب أول أدواره العامة الكبيرة عام 2015، عندما أصبح وزير الدفاع. ومنذ ذلك الحين، أشرف على حرب مدمرة في اليمن المجاور، ونظم مقاطعة قطر، التي تتهمها السعودية بدعم الإرهابيين وتمتعها بعلاقة ودية مع إيران. وقد تسببت المقاطعة في ألم اقتصادي أصاب جميع أنحاء الخليج، لكنها لم تجبر حتى الآن الإمارة الغنية بالغاز على تقديم أي تنازلات. ويشترك معظم المعتقلين في أنهم إما عارضوا هذا الجهد أو التزموا الصمت تجاه الأزمة. وحثت وزارة الداخلية السعوديين على الإبلاغ عن المواطنين الذين يتشاركون مثل هذه «الأفكار المتطرفة» على الإنترنت.
ويرغب «بن سلمان» في أن يقلل من اعتماد بلاده على النفط، وتخفيض كميات الدعم السخية، وبيع جزء من شركة أرامكو السعودية، عملاق النفط المملوك للدولة، لإنشاء صندوق ثروة سيادية ضخم. كما يريد التخفيف من القيود المفروضة على الثقافة السعودية، حيث يتم الآن فتح دور السينما، على سبيل المثال، في حين كانت محظورة سابقا في المملكة. وتعد هذه التغييرات مثيرة للجدل. وقد أجبرت الحكومة السعوديين المدللين على ممارسة التقشف، وأغضبت الإجراءات الجديدة المحافظين دينيا. وكان أحد الرجال الذين اعتقلوا هذا الشهر، «عصام الزامل»، قد كتب محذرا من خطورة خطة بيع أرامكو.
ومع كل الطموح الذي يتسم به، كان «بن سلمان» غامضا بشكل ملحوظ في قضية واحدة، ألا وهي السياسة. ولا تزال الأحزاب السياسية محظورة في المملكة، وهناك قيود صارمة على التعبير. ولم يبد الأمير الشاب أي اهتمام بتغيير ذلك. ولقد كان «العودة» يمثل بالكاد صوت المملكة التقليدي الأكثر اعتيادا. ويشكل عشرات رجال الدين الآخرين تهديدا أكبر للإصلاحات الثقافية التي قام بها ولي العهد. ومع ذلك، لا تزال هذه الأصوات تتمتع بالحرية. ويقول جمال خاشقجي، الصحفي السعودي المخضرم: «الفرق الوحيد بينهما هو أنهم أي الآخرون- يؤمنون بالطاعة الكاملة للحاكم، ويرون أنه واجب ديني». لكن «العودة» لا يفعل. وكان العودة زعيما لحركة الصحوة في التسعينات، وهي حركة إسلامية دفعت إلى إحداث تغييرات سياسية. وبعد عقود من الزمن، ألف كتبا أشادت بالثورات العربية عام 2011 (تم حظرها).
ومن المحتمل أن يتم إطلاق سراح بعض المحتجزين. وربما لم تكن تلك الحملة ضرورية، فبصرف النظر عن بعض التحريض على وسائل التواصل الاجتماعي، لم يكن هناك خلاف يذكر على سياسات ولي العهد. وكما يقول «خاشقجي»، الذي يخشى أن يتم القبض عليه أيضا إذا عاد من أمريكا: «لا أحد يعارضه. وتمتلئ الصحف السعودية بالثناء على جهوده. إنه مجرد عمل متهور».