فيما تمضي سلطات الرياض في إحداث تغييرات في السياق الاجتماعي, لا تزال المطالب السياسية معطلة، حيث يخشى مراقبون أن تستخدم السلطات التعديلات في القوانين المتصلة بطبيعة الحياة الاجتماعية كرافعة لتجاوز المطالب السياسية وفي مقدمتها تحويل البلاد إلى مملكة دستورية وإطلاق حرية تكوين الأحزاب وضمان المشاركة الشعبية في صنع القرار السياسي وفصل السلطات وضمان الشفافية والرقابة على الأجهزة والمؤسسات الحكومية،،،
أمر العاهل السعودي بإصدار رخص قيادة السيارة للمرأة في “السعودية”، البلد الوحيد في العالم الذي كان يمنع المرأة من قيادة السيارات، لأسباب عدة أبرزها القرار السياسي المستند إلى الفتاوى الدينية المتشددة.
يأتي ذلك بعد يومين من احتفالات صاخبة وغير مسبوقة شهدتها مدينة الرياض يوم 23 أيلول/سبتمبر احتفالاً بـ”اليوم الوطني”، والسماح للمرأة بدخول أستاد الملك فهد الرياضي في العاصمة للمرة الأولى منذ نشأة الكيان قبل 87 عاماً، وتعيين أول امرأة في منصب مساعد رئيس بلدية في مدينة الخبر.
وبحسب ما يُفهم من الأمر الملكي السعودي فإن التنفيذ لن يكون فورياً بل سيتأخر عدة أشهر. وأوعز العاهل السعودي إلى وزارات الداخلية، والمالية، والعمل والتنمية الاجتماعية تشكيل لجنة على مستوى عال لدراسة الترتيبات اللازمة لإنفاذ ذلك”.
ومن شأن هذا القرار أن يعزز من حدة الانقسام في الرأي العام المحلي، خصوصاً على ضوء مشاهد الرقص والموسيقى والاختلاط التي جرت قبل أيام وسط العاصمة الرياض في إطار الاحتفال بـ”اليوم الوطني السعودي”.
محمد بن سلمان ولي العهد السعودي قال في شهر إبريل العام الماضي، إن المجتمع لا يزال غير متقبل لقيادة المرأة للسيارة حالياً, لكن وفي خطوة مفاجئة تخطوها سلطات الرياض في إطار التغييرات والمضي بعيداً من سطوة رجال الدين, فقد سمحت اليوم الثلاثاء بإصدار رخص قيادة السيارات للمرأة في عموم البلاد.
وتتزامن هذه التطورات المتلاحقة مع حملات اعتقال طالت أكثر من 50 من الدعاة والناشطين، ومع المزيد من الإجراءات التي تستهدف تقليص صلاحيات التيار الديني المتشدد، وآخرها الإثنين حيث طُرح على مجلس الشورى اقتراح يقضي بإلغاء “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، والذي تم تأجيل مناقشته إلى بعد ثلاثة أشهر.
وكانت “السعودية” قبل هذا القرار هي البلد الوحيد في العالم، الذي يمنع النساء من قيادة السيارة، استناداً لآراء وفتاوى رجال دين متشددين، رغم المطالب والحملات الشعبية الواسعة التي نظمتها الناشطات طوال السنوات الماضية دون استجابة رسمية.
ولا يوجد قانون رسمي يحظر قيادة السيارة على المرأة في السعودية، لكن القانون السابق لا يسمح لها باستخراج رخصة قيادة، وتعتمد النساء في السعودية في تنقلاتهن على السائقين الذكور.
ومنذ مطلع التسعينات وحتى بداية العام الجاري تعرضت عشرات الناشطات للاعتقال والتوقيف بسبب قيادتهن للسيارة، ففي 6 نوفمبر 1990 شاركت 47 امرأة في قيادة 17 سيارة وسط شوارع الرياض مطالبات بإصداء قانون يسمح لهن بقيادة السيارة، فأمر الملك فهد آنذاك باعتقال جميع النسوة تم فصلهن من وظائفهن وسحبت جوازاتهن حيث فرض عليهن المنع من السفر عدة سنوات, كما اعتقل بسبب ذلك أزواج وآباء المشاركات وطبقت عليهم نفس العقوبات.
وفيما تمضي سلطات الرياض في إحداث تغييرات في السياق الاجتماعي, لا تزال المطالب السياسية لمختلف التيارات والجماعات المحلية معطلة دون أي تغييرات ملموسة، حيث يخشى مراقبون أن تستخدم السلطات هذه التعديلات في القوانين المتصلة بطبيعة الحياة الاجتماعية كرافعة لتجاوز المطالب السياسية وفي مقدمتها تحويل البلاد إلى مملكة دستورية وإطلاق حرية تكوين الأحزاب وضمان المشاركة الشعبية في صنع القرار السياسي وفصل السلطات وضمان الشفافية والرقابة على الأجهزة والمؤسسات الحكومية.
وفي هذا السياق قال الباحث المختص في الشأن السعودية الكاتب علي مراد بأن المكسب الأكبر للنظام السعودي بالسماح بقيادة المرآة للسيارة ستكون خارجياً، كون الخطوة تساهم في تجميل صورة المملكة الغارقة بالتعصب والتطرف.