شهدت الساحة السياسية العراقية احتداما كبيرا خلال الشهرين الماضيين، وانتج ذلك مادة إعلامية دسمة برز على أثرها عدد كبير من السياسيين والإعلاميين والمحللين السياسيين على شاشات التلفاز، كلا يبدي ما يضمره داخل قلبه من مواقف قد تكون في بعض الأحيان عاطفية، وانفعالية لاواقعية فيها.
والصراع هذا ناتج، عن إقدام شمال العراق على عمل الإستفتاء داخل مناطق إقليم كردستان والمناطق المتنازع عليها، وعلى الرغم من المحاولات الدولية بالضغط على رئاسة الإقليم للرجوع عن السير بتلك الخطوة، إلا أن الكرد قد اقدموا عليها دون حساب العواقب لقرارهم.
إن الحال قد تغير، والأمر قد أصبح أكثر تعقيدا من ذي قبل بعد انقضاء نهار الخامس والعشرون من أيلول المنصرم، وردا على ذلك التهور الكردي قد تتابع صدور عدة قرارات دولية من دول جارة للعراق كتركيا وإيران، اتسمت بغلق الحدود والتهديد بعقوبات أخرى ستفرضها لاحقا إذا لم يلغي الإقليم الإستفتاء.
ومن جهه أخرى أقدمت الحكومة الاتحادية على إصدار عدة قرارات منتجه، منها غلق المجال الجوي والبري، وتجميد الحسابات المصرفية، وملاحقة الموظفين المشتركين في الإستفتاء، والمطالبة بتسليم عائدات المنتجات النفطية، وتسليم المطارات والمنافذ الحدودية.
إن اللغة التي تنتهجها الحكومة العراقية، نقيمها بتقييم الإمتياز، كونها تتسم بطابع الهدوء وتبتعد عن التشنج والتصريحات المنفعلة، وقد يتصور البعض أن موقف الحكومة وقراراتها كانت ضعيفة ولم تكن بمستوى الطموح ،ولكن مع مضي الوقت ستتضح الصورة وتبان لمن أنتقد.
وبالنظر إلى كافة الظروف المحيطة بالإقليم، والمواقف الدولية الرافضة والقرارات الحكومية التي اتخذت، نستنتج أن الإقليم يسير نحو صراع داخلي تظهر معالمه بوضوح في الأشهر القادمة، والصراع هذا، ينحصر بين فريقين أحدهما يطالب بإلغاء نتائج الاستفتاء والجلوس مع بغداد للحوار، والفريق الأخر متمسك بعدم إلغاء نتائج الإستفتاء لكنه يؤيد الحوار مع وجود الإستفتاء.
ومع رؤية كل من الفريقين، نجد أن الضفة المقابلة للصراع والممثلة بالحكومة الاتحادية قد وضعت شرطان اساسيان للدخول في الحوار مع شمال العراق هما، إلغاء نتائج الإستفتاء، والرجوع للدستور لحل الخلافات مابين الإقليم والمركز باعتباره السقف الذي يحتكم الجميع تحت ظله.
وكنتيجة حتمية لنتائج العقوبات المفروضة، نجد أن الشعب الكردي هو أكبر المتضررين من ذلك، فالنتائج عادة لا تظهر بشكل سريع بل تبرز للسطح بصورة متتابعة، وبمرور فترة زمنية ستحل الكارثة، وكما قيل سابقا (حرارة المصاب لا يمكن تحسس ألمها الا بعد برودته)، لكن ذلك الحساب قد غادر عقول ساسة الكرد وشعبهم المفتون بحلمه الطفولي .
إن الحلم الكردي سينقلب كابوس وستزداد المعانات شيئا فشيئا، فالغذاء ومقومات الحياة اليومية ستنحصر عن قريب، وسوف تجتاح الحياة الاقتصادية في الإقليم كسادا لم يسبق له أن حصل، وهذا سينتج أزمة داخلية سيعتاش عليها معارضي مسعود البارزاني، وسيضغط الشعب على حكومة الإقليم للركون لبغداد والتحاور معها، لإن العواصف التغييرية قادمة بقوة نحو أربيل ومسؤوليها ولايمكن صدها بأي موانع أو تطمينات، كون الشعب لايحتمل مرارة العيش وقسوتة بعد أن تعود على الرفاهية وسعة العيش في السنوات الأربعة عشر الأخيرة، مع العرض أن الإقليم يعاني منذ عدة سنوات من أزمة إقتصادية وسياسية خانقة تعصف به، ولم يتمكن من حل طلسمها المعقد طيلة الفترة الماضية.
لننتظر التغيير السياسي في الإقليم الذي أوشك على التحقق، ولكن الفائز الأول هو العراق في هذا الصراع، حيث إن من يسعى لعودة الإقليم كما كان عليه أن يذعن لشروط الحكومة الاتحادية وبذلك ستحقق الحكومة ما لم يتحقق طيلة العقود السابقة في السيطرة على الإقليم داخليا وفرض القانون العراقي داخل أراضيه.
ياسر سمير اللامي