لم تكن ليلة الحادي عشر من أكتوبر ليلة اعتيادية، على ميسي ورفاقه في منتخب الأرجنتين، المهددين بالخروج من تصفيات كأس العالم بخفي حنين، وجعلهم تكاسلهم وعدم انسجامهم في المباريات السابقة، ملزمين بالفوز في اخرم بارة لهم، على الإكوادور صاحبة الأرض والجمهور، وهو أمر لم يحققوه منذ ثماني سنين مضت !.
وما إن بدأت المباراة حتى صدم منتخب الأرجنتين وعشاق ميسي، بتسجيل الهدف الأول للإكوادور في الثانية الأربعين !، مما ولد انطباعا أن الأرجنتين لن تصل كاس العالم هذه المرة، وأن عشاق كرة القدم سيحرمون من رؤية نجمهم المفضل على الملاعب الروسية، ولكن حين تتوفر العزيمة والثقة بالنفس والإصرار على تحقيق النجاح، تكون الكرة طوع أقدامك وشباك المرمى مشرعة إمامك، فكان رد ميسي سريعا بالهدف الأول ثم اتبعه بالهدف الثاني، ولم تكد تنتهي المباراة حتى أجهز على الفريق الخصم بالهدف الثالث، وهكذا فعلها ميسي وأوصل الأرجنتين الى كأس العالم.
في العراق ليالينا تختلف عن ليالي الأرجنتين وميسي، ولا يحلو لنا السهر بمتابعة مباريات كرة القدم ونجومها، بقدر ما تشدنا أزمات البلد، والحروب التي يخوضها ضد الإرهاب والتطرف، فلطالما أمضينا الليالي وسهرنا حتى الصباح، نتابع معارك التحرير منذ أكثر من ثلاث سنين، نترقب تحرير مدننا مدينة بعد أخرى، ونشاهد قواتنا الأمنية وحشدنا الشعبي وهم يحققون الانتصارات، ويرفعون علم العراق بدلا من العلم الأسود، نهلل ونكبر مع كل خبر يعلن تحرير ارض الوطن أو يزف نصرا، على الرغم من آلام فقد أحبة، ذهبوا قرابين من اجل الدفاع عن وطنهم.
لذلك كانت ليلة السادس عشر من هذا الشهر، ليلة غير اعتيادية على العراقيين، وهم يتابعون هذا المرة الصراع الدائر بين الحكومة وبين الانفصاليين في شمال العراق، بعد أن وصل الأمر الى مرحلة اللاعودة، فأما فرض للقانون وهيبة الدولة وأما انفصال الإقليم، وتربع مسعود البرزاني على عرشه، ودخول العراق في حرب جديدة، ولما تكاد تنتهي حربه مع داعش والعصابات الإرهابية، خاصة وإن النيران بدأت تطلق من جانب الانفصاليين باتجاه القوات العراقية، وطبولهم تقرع وقواتهم أخذت مواقعها على أطراف كركوك، متأهبة لقتال الجيش العراقي القادم لفرض القانون والدستور والعودة لمواقعه قبل 9/6/ 2014، وكل المؤشرات كانت تؤكد أن الوضع يسير بإتجاه حرب جديدة.
ولكن قواتنا الأمنية قد تقمصت دور المنتخب الأرجنتيني، فكانت السرعة والقوة والحزم والانضباط العالي والالتزام بالتكتيك المرسوم لها، عوامل ردعت كل من تسول نفسه قتالها من الانفصاليين ودعاة الفتنة، وجعلت عصابات البرزاني التي أشبعتنا تهديدا ووعيدا، تولي هاربة تاركة أسلحتها ومعداتها، رغم أنها كانت تستولي على أهم المنشآت النفطية، التي تستخدمها لسرقة ثروات العراق والإقليم، ولا ننسى الدور المهم والبارع لمايسترو الفريق السيد العبادي، الذي أصبح بارعا في ترويض الكرة وتسجيل الأهداف في مرمى الخصوم، متقمصا بذلك دور النجم ليونيل ميسي.
أن ليلة السادس عشر من إكتوبر ليلة لن تنسى في تاريخ العراق الحديث، كونها جنبت العراق إراقة الكثير من الدماء، وقضت على مشروع الانفصال الذي طبل له مسعود البرزاني وعصابته، وأعادت للوطن هيبته التي حاول سلبها أصحاب المشاريع الشخصية والحزبية الضيقة، وما حصل في كركوك يؤكد أن العراق ماض باتجاه التخلص من تركات الماضي، واتفاقات الغرف السرية.
ثامر الحجامي