بعد أربعة عشر عاماً على التغيير في نيسان عام 2003، لم يشهد العراق تحركاً سياسياً انضج وانجح من تعامل حكومة بغداد بحكمة وعقلانية مع محاولة اربيل الانفصال بالأكراد عن الوطن، لأسباب أهمها إمضاء اربيل على نفسها اتفاق هو الأسوء بينها وبين بغداد، تضمن إعطاء كركوك هبة للبرزاني مقابل الولاية الثالثة.
بعدها بدأت تتفاقم المشاكل، لاسيما عندما انقض الطرفين العهود فيما بينهم، حيث خالفت بغداد تعهداتها بدفع رواتب البيشمركة والموظفين المدنيين، ما إربك الوضع الاقتصادي في الإقليم، وتجاوزت اربيل بنود الاتفاق النفطي بينها وبين المركز، وبيعها لنفط كركوك بدون العودة لأصل الاتفاق، ما جعل الفجوة تتسع بين الإطراف الكردية نفسها، إذ أدى إلى بروز الخلافات حادة بين بغداد واربيل، واربيل والسليمانية.
وصل الحال بالبرزاني، وبدعم واضح من تل أبيب لمحاولة إعلان انفصال شمال العراق، بعد إجراء الاستفتاء فيها، الأمر الذي تم رفضه دولياً وإقليمياً ووطنياً، وما أثار الانتباه؛ محاولة إطراف عراقية تصعيد الموقف، وإظهار إن سياسة بغداد اتجاه أزمة الإقليم غير ناجحة في محاولة لتضعيف حكومة العبادي، التي أثبتت إن سياسة التهور في المواقف الحساسة غير مجدية، إمام تحديد مستقبل العراق.
حيث شهدت الفترة القصيرة الماضية؛ تصريحات سياسية وأمنية غير مدروسة، تأتي ضمن محاولات كسب المواقف إعلامياً، وهي نفسها الممارسات التي كانت نتيجتها سقوط الموصل، وما اتبعها من إحداث سياسية وأمنية واقتصادية أضرت بالبلاد، وأدت لتراجعه خصوصاً بعد فشل الإدارة السابقة في الحكم، ما جعل الجميع يستذكر حملات الاستهداف السياسي، التي عبئت الشارع ضد الجهات الساعية للنهوض بالعراق من حقبة الدكتاتورية.
السياسة الناعمة؛ التي مارستها الحكومة الحالية وبدعم من رئاسة التحالف الوطني، أثبتت إن كل محاولات التأزم والتصعيد على حساب الوطن غير ناجعة، وإن كسب الرهان يتمحور في التعامل الوطني المدروس مع الإحداث، وليس من خلال التصعيد الإعلامي، التعامل الذي افشل مخطط قيام دولة في شمال العراق، تكون مرتع للمخابرات الصهيونية، وهذا ما حذر منه السيد عمار الحكيم، قبل عام تقريباً.
حيث تقطعت السبل، وأبيدت أحلام اربيل في غضون اقل من 20 ساعة، ما جعلها تتراجع ليس عن طموحاتها ما بعد عام 2014 فحسب، إنما انسحبت من الأراضي التي خلفتها القوات العراقية بعد إحداث الموصل، كذلك خسرت الأراضي التي سيطرت عليها بعد عام 2003، وهكذا فشل مشروع البرزاني التوسعي في شمال العراق، فضلاً عن رفض إطراف الاتحاد الوطني والتغيير لسياسته الانفصالية.
بذلك أثبتت السياسة الناعمة نجاحها إمام تمرد البرزاني، وتصعيد الإطراف الخاسرة ببغداد، التي حاولت استغلال الموقف غير المستعجل للحكومة الاتحادية بتعاملها مع الأزمة، فالانتصار الذي تحقق للعراق، واثبات عراقية كركوك واستعادة نفطها، لم يكن انتصاراً عابراً، إنما نجاح يحسب للفريق القوي المنسجم، والتخلص من سياسة استغلال الأزمات، وضجيج الأوعية الفارغة.
عمار العامري