من غرائب فكر ابن تيمية أنه ينفي وجود التحريف في التوراة والإنجيل ويقول بأن القرآن لم يخبر بأن هناك تحريف في التوراة بحسب ما قاله في كتاب الفرقان بين الحق والباطل في الصفحة 88 (( وليس في القرآن خبر إنهم حرفوا جميع النسخ ))!!، وهنا نسأل ابن تيمية تلك الأسئلة :
1-كيف لك أن تميز بين النسخ المحرفة وغير المحرفة ؟ مثلا كيف تميز أن إنجيل لوقا أو إنجيل متي وكيف تميز بين سفر التكوين وسفر الإصحاح وسفر التثنية أو سفر العدد ؟؟!! كيف تميز بين السفر أو الإنجيل المحرف من بين تلك الكتب وكل كتاب يقول أصحابه بأنه هو الكتاب المنشود والمنزل ؟؟!!..
2-هناك نصوص قرآنية تدل على أن اليهود حرفوا كتبهم وبصورة مطلقة تدل على أن اليهود حرفوا التوراة وهذا بحسب تفسير الطبري الذي قال عنه ابن تيمية في كتاب الفتاوى الكبرى الجزء الثاني في الصفحة 254 - 255 ( وأما التفاسير التي بين أيدي الناس فأصحها تفسير محمد بن جرير الطبري فإنه ينقل مقالات السلف بالأسانيد الثابتة وليس فيه بدعة ولا ينقل عن المتهمين ) وهنا سنذكر بعض تلك النصوص القرآنية ومعها شيء من تفسير الطبري :
أ-قوله تعالى { أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } البقرة75، وتفسير هذه الآية حسب رأي الطبري هو ((حدثني موسى قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه)، قال: هي التوراة، حرفوها.)).
ب-قوله تعالى { مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ .... } النساء46, وتفسير الطبري لهذه الآية هو ((وأما تأويل قوله: " يُحَرِّفون الكلِمَ عن مواضعه " فإنه يقول: يبدِّلون معناها ويغيِّرونها عن تأويله.)).
ج-قوله تعالى { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ......} المائدة13، وتفسير الطبري لها هو ((القول في تأويل قوله عز ذكره : يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ
قال أبو جعفر: يقول عز ذكره: وجعلنا قلوب هؤلاء الذين نقضوا عهودَنا من بني إسرائيل قَسِيَّة، منـزوعا منها الخير، مرفوعًا منها التوفيق، فلا يؤمنون ولا يهتدون، فهم لنـزعِ الله عز وجل التوفيقَ من قلوبهم والإيمانَ، يحرّفون كلام ربِّهم الذي أنـزله على نبيهم موسى صلى الله عليه وسلم، وهو التوراة، فيبدّلونه، ويكتبون بأيديهم غير الذي أنـزله الله جل وعز على نبيهم، ثم يقولون لجهال الناس)).
د-وقوله تعالى { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } المائدة41، وتفسير الطبري هو ((لقول في تأويل قوله عزّ وجلّ : يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يحرف هؤلاء السمَّاعون للكذب، السماعون لقوم آخرين منهم لم يأتوك بعدُ من اليهود=" الكلم " (62) . وكان تحريفُهم ذلك، تغييرَهم حكم الله تعالى ذكره= الذي أنـزله في التوراة في المحصَنات والمحصَنين من الزناة بالرجم= إلى الجلد والتحميم. فقال تعالى ذكره: " يحرّفون الكلم "، يعني: هؤلاء اليهود، والمعنيُّ حكم الكَلِم، فاكتفى بذكر الخبر من " تحريف الكلم " عن ذكر " الحكم "، لمعرفة السامعين لمعناه. وكذلك قوله: " من بعد مواضعه ")).
فهل ينفي ابن تيمية كلام وتفسير الطبري الذي يثبت فيه أن اليهود حرفوا التوراة ؟ وهل يستطيع ابن تيمية أن يدلنا على النسخ التي لم يحصل فيها التحريف ويقول هذه النسخة غير المحرفة وتلك المحرفة ؟ علماً أن النصوص القرآنية تكلمت وبصورة مطلقة عن تحريف اليهود في كتبهم ولم يحدد النسخ المحرفة من غير المحرفة, لكن ما يريد أن يصل إليه ابن تيمية هو إثبات التجسيم عن اليهود حتى يؤسس له في الإسلام ويجعله من العقائد الإسلامية لكي يقول أن التجسيم هو منهج ثابت في الكتب السماوية كالتوراة والإنجيل والقرآن لا يختلف عنهما وهذا هو غاية المراد من رأي ابن تيمية في نفي التحريف الموجود أصلاً فيها, وهو بذلك يفتري على الله سبحانه وتعالى ويكذب النصوص القرآنية من أجل هدفه التجسيمي والعياذ بالله.
وهذا ما أثبته المرجع المحقق الصرخي في سلسلة محاضرات وبحوث "وقفات مع.... توحيد ابن تيمية الجسمي الأسطوري " خصوصاً في المحاضرة الرابعة والتي أثبت فيها وبالدليل الشرعي القاطع بأن ابن تيمية يشرعن لمعتقدات المشركين خصوصاً في كتابه " بيان تلبيس الجهمية " والذي فيه كما يقول المرجع الصرخي (( إقرار مِن ابن تيمية بصحّة اعتقادات المشركين، وتعدّد آلهتهم، وصحّة عباداتهم، فكل منهم يرى ربّه بالصورة المناسبة لاعتقاده في ربّه، فمَن يعتقد في ربّه الصنمية الوثنية، فيراه بما يناسب هذا، ويخاطبه ربّه، وهو على هذه الصورة، التي رآه فيها، ويأخذ تعاليمه وأحكامه الدينية مِن هذا الربّ الذي رآه بالصورة المناسبة لمعتقده، فتصح عبادة الأصنام، لأنّ الله (تعالى) قد أمر بها، لأنّه أتى للعبد الوثني بصورة هذا الصنم أو ذاك، فهذا هو أمر الله، وعلى العبد الإطاعة، وهكذا تصحّ عبادة مَن يعبد الملائكة، والجن، وعيسى وعزير (عليهما السلام)، وباقي الأشخاص مِن بني الإنسان وتصحّ عبادة الصلبان، والشمس، والقمر، والكواكب، والسماء، والهواء، والأرض، والطيور، والبقر، والفيل، والثعابين، والفئران، وغيرها مِن آلهة منتشرة في كل بقاع وأصقاع الأرض، فإنّ الله قد أتى بصور وتجليات مختلفة حسب مستويات إيمان الناس)).
بقلم : احمد المــــلا