يتصور بعض المنتمين لمنهج ابن تيمية إن شيخهم ليس مجسماً للذات الإلهية المقدسة وإنه مدافعاً عنها, لكن هذا التصور واهم جداً لأن كل آراء ابن تيمية التي تدول حول مسألة التجسيم ومناقشته لما يسميه المجسمة والمشبهة والنفاة هي ليست من أجل نفي التجسيم, بل هي نقاش في آلية الإستدلال على الرغم من أنه لم يصرح بذلك علانية لكن ما يسطره من فكر وآراء يدل على ذلك, فهو مثلا يقول إن الله سبحانه وتعالى ليس جسماً كباقي الأجسام لكن في الوقت ذاته يقول العرش يكون له أطيط إذا استوى الرب عليه !! والكل يعلم إن معنى الأطيط هو صوت الاحتكاك يصدره جسم معين من شدة ضغط أو شد معين وهو كصوت صرير الأبواب عندما تحتك ببعضها, والأجسام هي التي تشكل الضغط والشدة على الأجسام الأخرى, وهذا أمر ثابت لدى الجميع ومن يخالفه فهو يخالف العقل ولا كلام معه.
وقد وصل الأمر بابن تيمية أن يدافع دفعاً شديداً عن حديث " الأطيط " من أجل أن يثبت إن الله يجلس على العرش من جهة ومن جهة أخرى إن العرش ليس أكبر من الله بل هو بنفس الحجم والعياذ بالله, وهذا ما سنوضحه من خلال مناقشة رأي ابن تيمية حول هذا الحديث والذي ذكره في كتاب " مجموع الفتاوى " الجزء السادس عشر من الصفحة 435 إلى الصفحة 439 وسوف نعلق على بعض الموارد من أجل إيضاح رأي ابن تيمية وتكون الحجة تامة على الجميع إلا من يريد أن يبقى في غي العناد والتجسيم والتشبيه ...
يقول ابن تيمية ((وفيه قال : [ إن عرشه أو كرسيه وسع السموات والأرض، وإنه يجلس عليه فما يفضل منه قدر أربعة أصابع ـ أو فما يفضل منه إلا قدر أربعة أصابع ـ وإنه لَىَئِط به أطيط الرَّحْل الجديد براكبه ] . ولفظ [ الأطيط ] قد جاء في حديث جبير بن مطعم الذي رواه أبو داود في السنن . وابن عساكر عمل فيه جزءًا، .....والحديث قد رواه علماء السنة كأحمد، وأبي داود وغيرهما، وليس فيه إلا ما له شاهد من رواية أخرى . ولفظ [ الأطيط ] قد جاء في غيره.وحديث ابن خليفة رواه الإمام أحمد وغيره مختصرًا، وذكر أنه حدث به وكيع ........والحديث قد رواه ابن جرير الطبري في تفسيره وغيره...
{{ تعليق : هذا نص الحديث وليس عند ابن تيمية مشكلة في مسألة الأطيط الذي يصدره العرش!! وليس عنده مشكلة بأن يشبه العرش بالرحل والذات الإلهية براكب الرحل, بل أثبت ذلك من خلال لذكره من روى الحديث ومن بينهم الامام أحمد وابن جرير الطبري اللذان يعدان من أئمة ابن تيمية والموثقان لديه, لكن }}.
يكمل ابن تيمية : ولفظه : [ وإنه ليجلس عليه، فما يفضل منه قدر أربع أصابع ] بالنفي .فلو لم يكن في الحديث إلا اختلاف الروايتين ـ هذه تنفي ما أثبتت هذه . ولا يمكن مع ذلك الجزم بأن رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم " أراد الإثبات، وأنه يفضل من العرش أربع أصابع لا يستوى عليها الرب . وهذا معنى غريب ليس له قط شاهد في شيء من الروايات . بل هو يقتضي أن يكون العرش أعظم من الرب وأكبر . وهذا باطل، مخالف للكتاب والسنة، وللعقل . ويقتضي ـ أيضًا ـ أنه إنما عرف عظمة الرب بتعظيم العرش المخلوق وقد جعل العرش أعظم منه . فما عظم الرب إلا بالمقايسة بمخلوق، وهو أعظم من الرب . وهذا معنى فاسد، مخالف لما علم من الكتاب والسنة والعقل .
{{ تعليق : ابن تيمية رفض العبارة التي تقول ( فما يفضل منه قدر أربع أصابع ) لأنها وبحسب رأي ابن تيمية تجعل من الله أصغر من مخلوقه وهو العرش, ولم يعترض على كلمة " الأطيط " الذي يصدره العرش عندما يجلس الرب عليه !! فيقول إن النبي"صلى الله عليه وآله وسلم " عندما ذكر عبارة الأربع أصابع هي للنفي أي لم يبقى حتى أربع أصابع من العرش ولم يذكرها للإثبات أي ثبات بقاء الأربع أصابع, لان بقائها سوف يجعل من العرش أكبر من الله لذلك أول ابن تيمية تلك العبارة وقال إن النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " ذكرها لينفي بقاء تلك المساحة أو الفسحة في العرش, وهنا نسأل إذن لماذا ذكرت بالأساس تلك العبارة؟ ولماذا تم تحديدها بالأربعة أصابع دون غيرها إن كان الغرض والقصد هو نفي وجود تلك الفسحة ؟ لماذا لم يذكر مثلاً ( فلم يفضل منه قدر جلب شعيرة أو حبة خردل أو قطمير أو نقير أو ذرة ) لماذا نفى وجود مساحة بأربعة أصابع فقط ؟ فهل نسمع من ابن تيمية أو من يسير على نهجه جواباً؟ هذا أولا، ما ثانياً نحن لسنا في صدد إثبات تلك الفسحة بل نحن في صدد إثبات ما إذا كان هذا الحديث صحيحاً أو لا لأنه بكل المقاييس لا يمكن القبول به شرعاً ولا عقلاً لأنه يحد من الذات الإلهية المقدسة ويدخلها في حيّز سواء كان بوجود عبارة الأربعة أصابع أو بعدمها، وأبن تيمية مع ذلك يقوم بإثبات الحديث ويناقش في مسألة المراد من عبارة الأصابع الأربع !! حتى يقول إن الله يجلس على العرش }}.
يكمل ابن تيمية ويقول : فإن طريقة القرآن في ذلك؛ أن يبين عظمة الرب، فإنه أعظم من كل ما يعلم عظمته . فيذكر عظمة المخلوقات ويبين أن الرب أعظم منها . كما في الحديث الآخر الذي في سنن أبي داود، والترمذي، وغيرهما ـ حديث الأطيط ـ لما قال الأعرأبي : إنا نستشفع بالله عليك، ونستشفع بك على الله ـ تعالى ـ فسبح رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم " حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال : [ ويحك ! أتدرى ما تقول ؟ أتدرى ما الله ؟ شأن الله أعظم من ذلك . إن عرشه على سمواته هكذا ] ـ وقال بيده مثل القبة ـ : [ وإنه ليئط به أطيط الرحل الجديد براكبه ] .فبين عظمة العرش، وأنه فوق السموات مثل القبة . ثم بين تصاغره لعظمة الله، وأنه يئط به أطيط الرحل الجديد براكبه . فهذا فيه تعظيم العرش...
{{ تعليق : نلاحظ كيف يؤكد ابن تيمية على الأطيط ويذكره أكثر من مرة ليجعله من المرتكزات الأساسية عن المتلقي ويجعله يصدق بأن للعرش أطيط عن جلوس الرب عليه !!}}.
يكمل ابن تيمية ويقول : ...... وهذا وغيره يدل على أن الصواب في روايته النفي، وأنه ذكر عظمة العرش، وأنه مع هذه العظمة فالرب مستو عليه كله لا يفضل منه قدر أربعة أصابع .......
{{... تعليق : هنا يقع ابن تيمية في شراك فكره المسموم التجسيمي, وهو يصرح علانية بأن الله يستوي على العرش كله بدون زيادة أو نقصان وفي كلام سابق يقول إن العرش اصغر من الخالق، إذن كيف لما هو أصغر أن يتسع لما هو أكبر وأعظم ؟؟!! وهنا نسأل هل العرش أصغر أم هو في نفس الحجم ونفس المستوى للرب أو إن الرب أكبر حجماً ويستوي على شيء صغير ؟؟!!}}.
يكمل ابن تيمية ويقول: فبين الرسول أنه لا يفضل من العرش شيء، ولا هذا القدر اليسير الذي هو أيسر ما يقدر به، وهو أربع أصابع . وهذا معنى صحيح موافق للغة العرب، وموافق لما دل عليه الكتاب والسنة، وموافق لطريقة بيان الرسول،له شواهد . فهو الذي يجزم بأنه في الحديث .
{{ تعليق : ابن تيمية يتجنى على اللغة العربية وهو هنا يحتاج إلى درس في اللغة العربية وإن أبسط تلميذ في المرحلة الإبتدائية يعلم إن " ما " في هذه العبارة [ ما يفضل إلا مقدار أربع أصابع ] هي حرف نفي مبني على السكون لا محل لها من الإعراب ، تدخل على الجملة الفعلية, وهي هنا نفت بقاء أي مجال في العرش وبعد ذلك يأتي حرف الإستثناء " إلا " حيث يستثني من النفي إلا مساحة الأربع أصابع فهي الباقية حسب سياق الحديث وهو يكون إثبات لوجود تلك الفحسة وذلك المجال وليس نفياً لوجوده وبدليل إنه قيد المجال المستثنى بالعدد أربعة هذا أولاً أما ثانياً إنه لو كان يريد نفي وجود هذه المساحة لاكتفى بالقول مثلاً ((ما يفضل حتى مقدار أربع أصابع )) فهناك يكون النفي وضاحاً وصريحاً لتلك الفسحة, هذا من جانب ومن جانب آخر ماهو المعنى الذي وافقه النفي للغة العرب وللكتاب والسنة ؟ بأي طريقة تم التوافق ؟ هل هناك من يتبرع بالنيابة عن ابن تيمية ويوضح لنا ذلك التوافق في معنى النفي الذي يقول به ابن تيمية لحديث فيه إثبات لوجود مساحة الأربعة أصابع ؟}}.
يكمل ابن تيمية بقوله : ومن قال : [ ما يفضل إلا مقدار أربع أصابع ] ، فما فهموا هذا المعنى، فظنوا أنه استثنى، فاستثنوا، فغلطوا . وإنما هو توكيد للنفي وتحقيق للنفي العام...
{{ تعليق : يخلط ابن تيمية الأوراق على نفسه قبل غيره بحيث يخطئ من قال بان هذا استثناء ويقول بأن الصحيح هو توكيد وهنا نسأل كل من درس اللغة العربية هل يوجد في عبارة [ ما يفضل إلا مقدار أربع أصابع ] أي حرف من حروف التوكيد السبع "إنَّ، وأَنَّ، ولامُ الابتداءِ، ونونا التوكيدِ الخفيفة والثقيلة، واللامُ التي تقع في جواب القسَم، وقد" ؟ وهل يوجد نوع من أنواع التوكيد اللفظي أو غير التوكيد المعنوي ؟ وهل يوجد في العبارة مفعول مطلق ؟ من أين جاء ابن تيمية بالتوكيد ؟ وكيف نفى الإستثناء وفق أي مقياس وأي لغة هل هي لغة أهل حران الصابئية أم لغة التوحيد الإسطوري الخرافي ؟}}.
خلاصة الأمر نلاحظ إن ابن تيمية قام بالتأويل في مسألة الأصابع الأربع حيث أول المعنى إلى نفي وليس إلى معناه الحقيقي في إثبات فسحة الأصابع الأربع, هذا من جهة ومن جهة أخرى حاول جاهداً أن يثبت صحة الحديث الذي يتكلم عن العرش والجلوس عليه لأنه يريد أن يؤسس لفكرة الجلوس الآلي المادي الظاهري لذلك وبطريقة تدليسية أن يراوغ في مسألة نفي مسألة وجود مساحة الأصابع الأربع حتى يثبت صحة الحديث, وهو مسألة تجسيمية بإمتياز لذلك نقول لإبن تيمية الذي يرفض التأويل – على الرغم من أنه يستخدمه بصورة مبطنة – ما قاله المرجع المحقق الصرخي في المحاضرة الثانية عشرة من بحث " وقفات مع توحيد ابن تيمية الجسمي الأسطوري " ((ما هو عملك إذا أتاك المتشابه في الآيات أو الروايات ؟ عليك أن لا تقبله على حقيقته الظاهرية وبما هو ظاهر منه، وإنما يجب أن تقبل بالتأويل، فما هو التأويل؟ توجد عدة معانٍ تشترك مع هذا المعنى من وجه، فكل منا يؤول حسب الحجة والقرائن التي عنده لكي يحافظ على التنزيه والتقديس – للذات الإلهية - وهذه التأويلات تبقى محتملات وغير ملزمة)) وهذا الكلام من سماحة المحقق الأستاذ الصرخي جاء بعدما ناقش آراء ابن تيمية فيما يتعلق برفضه لتأويل الرازي في كتاب " أساس التقديس " وبين إن الفخر الرازي يؤكد على طرح عدة احتمالات للألفاظ التي وردت بالأخبار والروايات التي يحتج بها المجسمة والمشبهة أئمة التيمية لله تعالى فيدفعها الرازي وفقا لتأويلات عديدة بغض النظر عن صحة صدور الرواية وورودها.
وهذا رابط المحاضرة كاملة لمن يحب الإطلاع على ما جاء فيها من نقوضات على فكر ابن تيمية الجسمي الأسطوري:
https://www.youtube.com/watch?v=lVDuT0qO3hQ
بقلم : احمد المـــلا