لقد اطلع العالم بأسره على الصخب الذي عم البلاد، ضد قانون "حظر استيراد وتصنيع وبيع المشروبات الكحولية" في العراق، الذي اقره البرلمان العراقي وصوت عليه في جلسته المنعقدة (يوم السبت 22 تشرين الثاني 2016)، حيث اثار هذا القانون حفيظة عدد من نواب البرلمان العراقي، والكثير من دعاة الدولة المدنية، واتباع الاحزاب اللادينية، واعتبروا هذا الامر مخالفة دستورية، ويتنافى مع المبادئ الديمقراطية، لتعارضه مع الحقوق والحريات التي كفلها الدستور العراقي.
بين فترة واخرى يتحشد عدد من دعاة الدولة المدنية، والاحزاب العلمانية واللادينية، المدعومين من نواب تلك الكتل والاحزاب، ليتظاهروا في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد، ليخرجوا علينا عصر كل يوم جمعة، بشعارات السباب والشتائم للأحزاب الاسلامية الحاكمة، ليرددوها في كل تظاهرة، حتى اصبحت سنةً لهم، وكان للقانون المذكور النصيب الاكبر من تلك المظاهرات، ولم يكتفوا بهذا الامر فقط، فلقد خرج الكثير من نواب تلك الاحزاب في مؤتمرات صحفية، وبأصوات عالية وبصخب شديد، متبوعاً بسباب وشتائم وكيل التهم ضد نواب الاحزاب التي صوتت على ذلك القانون، فكان للمؤتمر الصحفي الذي عقده كل من النواب (فائق الشيخ علي، مشعان ركاض الجبوري، جوزيف صليوا)، صدى واسع في الاعلام، واتهموا الاحزاب التي صوتت عليه، بتجارة الخمور والمخدرات، وزراعة الحشيش، وادارة الملاهي، وغيرها الكثير، حيث اعتبر النائب البرلماني ورئيس كتلة الوركاء النيابية، ان كل من صوت على هذا القانون بانه "داعشي بإمتياز"، والانكى من هذا ان هناك عدداً ليس بالقليل ممن صدق ذلك وروج له! فما زال الشعب العراقي يتذكر ذلك الموقف، ليدونه في ذاكرته، لا نلومهم على ذلك البكاء، لأنهم يعتبرون الخمور من حقوقهم المشروعة، التي سلبها البرلمان ليبكوها صباحاً ومساء.
إن من اشد ما مر به العراق بعد التغيير، هو دخول داعش للعراق واحتلال اراضيه، فتطوع ابناء الشعب العراقي للدفاع عنه، لكن الباكين على الخمور لم يعنيهم ذلك الامر إطلاقاً، ولم يشاركوا المتطوعين لأجل تحرير العراق من داعش، ولم يساهموا بأي شيء مادي كان أو معنوي لدعم المجاهدين والقوات الامنية، لا بل حتى اعلامياً لم نسمع لهم صوتاً يصدح بذلك، بل عمد بعضهم الى مغازلة الخونة الذين اتهموا الحشد بالتهم الباطلة، فما إن اصبحت داعش قاب قوسين او ادنى من نهايتها الحتمية، ليخرج علينا (مسعود البرزاني) بالإستفتاء والانفصال، وتصدى لهذا الامر الكثير من ساسة العراق، وجميع الشرفاء من الشعب العراقي.
أصواتهم وصراخهم كان لها دوي في الافق العراقي، لأجل الخمور ونزواتهم، لكنها صماء بكماء لا وجود موقف لها ضد الاستفتاء، ولم نرى او نسمع لهم مؤتمر صحفي ضد الانفصال، ولم نشاهد لهم لقاء متلفز ولا حتى سطور مكتوبة في صفحات التواصل الاجتماعي، والسوشل ميديا يشجب ويستنكر القرار الذي اقدم عليه الاكراد، من اجل تمزيق العراق، فأين عراقيتكم ووطنيتكم الزائفة التي صدعتم بها رؤوسنا، بكت عيونكم دماً على قانون حظر الخمور، ولم تنزل لكم دمعة واحدة من اجل العراق، الذي انتشلكم من الحضيض، بعدما كنتم تتسكعون في الملاهي والبارات داخل وخارج العراق، وأصبحتم سادة مزيفين، تفوح منكم رائحة الخمر والمسكر النتنة، ولا يعنيكم من امر العراق شيء! الا المرتبات والحمايات وارتال السيارات! وخوفكم من ان تمنعون من التسكع في مصايف وفنادق وملاهي كردستان.
نحن لسنا ضد الدولة المدنية، مع هذا فهناك عدد من الاحزاب الدينية والتيارات الاسلامية من يتبنى هذا الامر بذاته، ويعمل لأجله، ولأجل القضاء على عسكرة المجتمع، كما تسعى الى أن يعيش الشعب تحت غطاء الدولة والقانون، والحفاظ على كافة حرياته، كأن تكون مدنية أو فكرية أو ممارسات دينية، فلا يوجد حق لشخص دون آخر، وهذه هي رؤية الاسلام الحقيقية التي شوهوها دعاة المدنية، ولا بد من المحافظة على دين الدولة الرسمي، والوقوف ضد أي امر يشوه الاسلام او يحاول ذلك، وهناك فرق بين من يتخذ من شعار الدولة المدنية غطاء كاذب، وبين من يتبناه فكراً ومضموناً بواقعية حقيقية، ولم يساوم ويهادن على مصلحة العراق، للحفاظ على تماسك شعبه ووحدة أراضيه من شماله الى جنوبه، ومن شرقه الى غربه، فما زلنا نبحث عن الوطنيين الشرفاء الذين يهتمون لأمر العراق الداخلي والخارجي، بعيدا عن مصالحهم الشخصية والحزبية.
رضوان العسكري