نظمت جامعة حمد بن خليفة ندوة بعنوان “قطر ما بعد الحصار”، لتحليل آثار الحصار من زوايا مختلفة، مع التركيز على الأبعاد الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والقانونية للحصار غير الشرعي المفروض على دولة قطر، وطرح الرؤى للخروج من الأزمة الحالية.. شارك في الندوة الدكتور حسن السيد، أستاذ في القانون بجامعة قطر؛ والدكتور ماجد الأنصاري، أستاذ علم الاجتماع السياسي والباحث في جامعة قطر؛ والدكتورة فاطمة الكبيسي، منسقة برنامج علم الاجتماع والأستاذ المساعد في جامعة قطر، والدكتورة كورتني فريير، مسؤولة أبحاث برنامج التنمية الكويتي بكلية لندن للاقتصاد.
وقال الدكتور ماجد الأنصاري ان الأزمة الخليجية ليست وليدة اللحظة، ولكن هناك صراعا تاريخيا ودائما على النفوذ والهيمنة بين المملكة العربية السعودية وباقي الدول المحيطة، فالسعودية تريد ابتلاع دول المنطقة والسيطرة عليها سياسياً، لذا فأسباب حتمية الصراع في المنطقة متوافرة. مشيراً إلى أن تراجع الحالة الأمريكية ودورها الدولي بعد أن كانت القطب الأوحد، تسببت في وجود فراغ استراتيجي تريد الأطراف العالمية الأخرى استغلاله لفرض نفوذها، وهذا ساعد كثيراً دول الحصار في فرض إجراءاتها دون وجود من يضغط عليها للتراجع وقبول الحوار.
** تغيير النظام السياسي
وأضاف أن الحل الوحيد للأزمة الخليجية الراهنة هو تغيير النظام السياسي في المملكة العربية السعودية بشكل كامل وجذري، مع تغيير السياسة الأمريكية المتخبطة تجاه هذه الأزمة، حيث ان السعودية لن تقبل أي حلول إلا بالضغوط الأمريكية كما حدث سابقاً في عام 2014 عقب سحب السفراء من الدوحة، محذراً من دخول أطراف خارجية مثل روسيا إلى الصراع الدائر في المنطقة لبسط نفوذها وتقديم نفسها كبديل لأمريكا من أجل حل الأزمة.
** حرب خليجية
وتابع “هناك عدة سيناريوهات بعد الأزمة الخليجية، الأول نسميه العودة إلى حالة الأزمة الراكدة، أي تنتهي هذه الإجراءات ونعود لحالة تشبه ما قبل 2013 أزمة راكدة، وهذا لن يحدث إلا في حالة حدوث تغيير في المناخ السياسي في السعودية، والسيناريو الآخر هو مخرج شبيه بحالة أزمة الصواريخ الكوبية أي يمكن الوصول لحالة ربح متبادل وليس خسارة متبادلة، أما السيناريو الأخير هو وجود حرب دافئة خليجية مستمرة وهذه الحرب ستؤدي لانهيار تدريجي للمنظومة الخليجية ثقافياً، كما سنشهد وجود حالة من إعادة تمركز للقوى العالمية في المنطقة، أو انهيار شامل للمنظومة الإقليمية”.
د. حسن السيد:
مطالب دول الحصار تتعارض مع القانون الدولي وتفتقر إلى الدلائل
أكد الدكتور حسن السيد أستاذ القانون بجامعة قطر، أن هذه الأزمة برغم مراراتها، إلا أنها فرصة لإعادة النظر في أمور عديدة سواء على المستوى المحلي أو الخارجي، حيث قال حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في خطابه التاريخي أن “المرحلة التي تمر بها قطر مرحلة بالغة الأهمية من حيث الفرص التي أتاحتها ليس فقط للبناء وسد النواقص وإنما لتشخيص الخطأ وتصحيحه”، وأشار إلى أن مطالب دول الحصار تتعارض مع القانون الدولي والكثير منها مجرد ادعاءات ومزاعم تفتقر إلى الدليل والإثبات.
وأوضح د. السيد أن أن النزاع الدولي هو خلاف حول نقطة قانونية أو واقعية تتمثل في تناقض أو تعارض بين الدول، ومن أهم وسائل حله أن يتم تحديده بطريقة واقعية وتتوافر نية حسنة بين الأطراف المتنازعة، لافتاً إلى أنه من وسائل طرق الحل الودية بين الدول هي الوساطة وتقديم الحلول والمقترحات التي تساعد على التسوية أو منع نزاع مسلح، وقد ساهم أمير دولة الكويت بنجاح في ذلك.. كما أكد أن وسائل تسوية المنازعات بالقانون الدولي مازالت عاجزة عن تحقيق مبتغاها، لذا كان من الضروري طرح مقترحات لإيجاد آليات حاسمة يستطيع من خلالها احد الأطراف رفع الأمر للمحاكم الدولية.
د. فاطمة الكبيسي:
المواطن القطري أصبح مثقفاً سياسياً ومبادرا لخدمة الوطن
** الحصار أظهر الكوادر الوطنية الشبابية وجعل المجتمع مبدعا
قالت الدكتورة فاطمة الكبيسي: إن المجتمع الخليجي كان متداخلا بشكل قوي خاصة قبل ظهور الدولة الحديثة بعد الاستقلال في فترة الستينيات، حيث كانت القبائل تتنقل من دولة إلى أخرى بسهولة قبل ظهور الحدود والجنسية، مما أدى إلى وجود انصهار اجتماعي بين القبائل والعائلات في منطقة الخليج، مشيرة إلى أن الحصار كسر هذه الروابط بشكل مؤثر وقوي، وربما ستكون له تبعات أكثر وضوحاً كلما استمر الحصار لفترة أطول.
وأضافت د. الكبيسي أن الحس الشعبي الخليجي كان دائماً يبحث عن المواطنة الخليجية الكاملة بعيداً عن الأنظمة السياسية، موضحة انه قبل الحصار بشهرين فقط كانت جميع الدول الخليجية تجتمع في الإمارات لبحث سبل تحقيق المواطنة الخليجية بشكل فعّال، لافتة إلى أن الحصار لم يغير من وجود هذه الرغبة على المستوى الشعبي بدليل قيام دول الحصار بفرض قانون يجرم التعاطف مع قطر، في دليل على خوف أنظمة هذه الدول من إظهار هذا التعاطف خاصة على منصات التواصل الاجتماعي.
** آثار اجتماعية سلبية
وأشارت أستاذة علم الاجتماع بجامعة قطر، الى أن الحصار خلف آثارا اجتماعية سلبية على المجتمع الخليجي بشكل عام والمجتمع القطري بشكل خاص، حيث ان الإحصاءات تشير إلى وجود 13 ألف مواطن خليجي متضرر، بالإضافة إلى تضرر مئات الأسر الخليجية، مؤكدة أن الحصار في البداية تسبب في شعور المجتمع القطري بالصدمة الشديدة، نتيجة الاضطرابات الاجتماعية وقطع الأرحام الذي لحق الحصار.
كما أكدت أن الحصار كانت له آثار إيجابية أيضاً على المجتمع القطري، من خلال زيادة الالتفاف والتماسك والتلاحم بين أطياف المجتمع عقب الشعور بالخطر، كما أن الشباب القطري والمجتمع بشكل عام أصبح مهتماً بالسياسة ومتابعاً جيداً للأحداث، فكل مواطن قطري الآن أصبح لديه الحد الأدنى من الثقافة السياسية المطلوبة، وهذا كان غير متاح قبل الحصار، حيث ان الأولويات كانت مختلفة لا تشملها السياسة. كما أن الشخصية القطرية أصبحت أكثر إصراراً وتحديا، والجميع الآن يريد أن يبادر لخدمة الوطن، فجميع هذه المتغيرات ما كانت لتحدث إلا بفضل شعور المجتمع بتهديد خارجي.
واختتمت د. الكبيسي بقولها: ” نحن نمر الآن بمرحلة التعايش مع الحصار، وبمرور الوقت إذا استمرت الأزمة لفترة أطول سنمر بمرحلة التكيف معها، مما سيفقدها تأثيرها على كافة المستويات وبالأخص الاجتماعية”، مؤكدة أن الأزمة كانت فرصة عظيمة لاكتشاف الكوادر الوطنية الشبابية في المجتمع وتقديمها إلى الرأي العام، كما جعلت تفكير المبادرات والأفكار الاجتماعية خارج الصندوق ومبتكرة.