أول مشاهدتي لها كانت في الستينيات عندما كنت طفلا في السادس الابتدائي وكانت عبارة عن تحفة خشبية مصغرة عن الأصلية موضوعة في إحدى أركان غرفة استقبال الضيوف في بيتنا أهديت لوالدي رحمه الله من شمال العراق ثم اعتدت على مشاهدتها بشكلها الحقيقي بيد كبار السن من الرجال في المقاهي أو البيوت ، الاركيلة أو الشيشة كما تسمى في بعض البلدان العربية موطنها الأصلي أواسط الهند والبعض يرى إن موطنها بلاد فارس ثم انتشرت في تركيا بشكل واسع وانتقلت إلى الدول العربية بعد إن سيطر الأتراك على هذه الدول فترة أكثر من 400 سنة وبعدها انتشرت عالمياً إما في العراق فقد انتشرت بين طبقات المجتمع المختلفة بعد عام ( 2003 ) بشكل واسع في بغداد والمحافظات الشمالية خلال الأعوام من (2009 ) صعوداً لتشمل الفتيات أيضا وبمختلف الأعمار ثم امتدت إلى محافظات الوسط والجنوب ، يعتقد الكثير من الناس وخاصة الشباب والمراهقين بأن الاركيلة غير مضرة وهي بديلة عن السيكارة وهذا فهم خاطئ حيث أثبتت الدراسات والبحوث ان تدخين الاركيلة لنصف ساعة أو أكثر يسبب ارتفاع ضغط الدم وازدياد نبضات القلب وضيق في الرئتين بسبب نقص الأوكسجين بالدم وأثبتت هذه الأبحاث أيضا إن تدخين اركيلة لمرة واحدة تعادل نسبة القطران فيها ( 10 ) سكائر بينما تعادل نسبة السموم نحو ( 100 ) سيكارة زيادة على ذلك إن تدخين الاركيلة أكثر خطورة من السيكارة كون الدخان لا يمر بمصفاة أو فلتر بعكس السكائر ما يسبب ارتفاع السموم بنسبة 26 % إضافة إلى الإمراض الأخرى كالنوبات القلبية نتيجة تصلب الشرايين وسرطان الفم والحنجرة والصداع وعسر الهضم وغيرها ، انتشرت ظاهرة استخدام الاركيلة ألان وبشكل غريب خصوصاً بين الشباب المراهقين بل وحتى الأطفال وحتى النساء ( فتيات وأمهات )بدأن ينافسن الذكور وأصبحت المقاهي والكازينوهات والحدائق العامة والبيوت وحتى الطرقات العامة والأرصفة أماكن خصبة ومناسبة لتدخين الاركيلة وكعادتي في أمسيات شهر رمضان المبارك لهذا العام وبعد الإفطار ، أقوم بجولة على كورنيش نهر دجلة في مدينتي العمارة ولفت نظري العدد الكبير من مدخني الاركيلة على طول الكورنيش معظمهم شباب ومراهقين وأطفال بعمر من ( 8 - 11 )سنة وأصبح لدي فضول واندفاع كي اعرف سر قدوم هؤلاء الشباب وغيرهم على تدخين الاركيلة والأسباب التي دفعتهم إلى ذلك وفي إحدى الجولات قمت باستطلاع بسيط التقيت خلاله بعدد من المدخنين وبمختلف الأعمار للاستفسار منهم عن أسباب قدومهم على ذلك وكانت الاجوبة كما يلي (( البعض يشعر انه يحقق لنفسه دور الرجولة وكمال النمو وانه يشـعر بالاســــتقلال )) (( التحرير من ســــلطة الأهل )) (( الإدمان عليها بســــــبب مادة النيكوتين )) (( أداة للتسلية والترويح عن النفس )) ((اعتبرها البعض بديل عن السكائر واقل ضرر منها )) (( البعض الأخر اعتبرها وجبة يومية لابد منها )) (( ونيس في السـهرات والجلسـات الليلية خصوصاً في شهر رمضان ))
(( الارتياح النفســــــــــــي لها بســـــبب النكهات الطيبة للتبغ المسـتخدم واغلبها نكهة الفواكه )) وغيرها من المبررات التي يحاول المدخنون إضفاء شرعية أو أعذار مقبولة لاستخدامها ولا اخفي عليكم فقد استغربت من إجابة احد الشباب حين قال (( والدي لا يهتم أو يغض النظر عندما يراني أدخن الاركيلة لكنه يتعصب ويجن جنونه إذا رآني أدخن الســـيكارة )) قلت له لماذا ؟ قال (( لا اعلم بالضبط لكن اعتقد إن والدي يعتبر السيكارة إهانة له أو تقليل من هيبته كأب لأني في اعتقاده خرجت عن تربيته )) فهل يعقل ذلك ؟! وهل يا ترى بأن هذا الأب يفكر بنفس التفكير ؟ وان كان كذلك فهو لا يهتم لصحة ولده بقدر ما يهتم لشخصيته وكبريائه وهيبته ( الله اعلم ) من خلال ما تقدم استنتجت بأن هناك نوعين من الأسباب الرئيسية جعلت الشباب يقدم على تدخين الاركيلة ووقوعهم فريسة للإدمان وهما : أسباب خارجية ( خارج البيئة العائلية للمدخن ) وهذه مسئولة عنها الدولة ومؤسساتها كونها الراعي الأول للشعب ومنها ( البطالة ) التي ارتفعت نسبتها
...
الكاتب: نصير كاظم خليل