سألت نفسي وانا اتنقل بين قنوات التلفاز، وهي تنقل السيل البشري، وهو متوجه الى قبلة الاحرار، كطوفان اجتاح الارض من كل حدب وصوب، أحقأ زمن المعجزات انتهى؟
كيف ممكن لقضية ان تملك من العمر اربعة عشر قرن، ومازالت تنبض بالحياة، بل وتتجدد كل يوم؟!
لا تعرف الانسانية رسالة ممتدة عبر قرون، ومازالت مؤثرة سوى الرسالة المحمدية اولا، والثورة الحسينية ثانيا، وقد ارتبطتا بشكل كبير حد الانصهار والاندماج، فأصبحت الزيارة الاربعينية ربيع الدعوة الاسلامية، وتعمل على تجديد الثوابت الاسلامية الحقة، التي قام عليها الاسلام الحنيف، من نبذ التطرف والتعايش السلمي، وهدم الفوارق بين الناس، والتآخى بين البشر مهما اختلفت الوانهم وطوائفهم.
قد يعيب البعض ذلك البذخ والبذل، الذي يقدمه خدمة الحسين وهم يتفننون بطرق تقديم الخدمة للزوار، بدءأ من المأكل والمشرب، وانتهاء بتوفير وسائل الراحة، والمبيت للزوار، يعتبره الاقتصاديين اسراف وتبذير غير مبرر، ولا بد من توجيه تلك الامكانيات الى اماكن اخرى.
لكن عند تدقيق النظر لما يجري، نتيقن ان الامر ليس له علاقة بالماديات مطلقا، بل تعداها الى اللامعقولات، وخارج حدود ادراك العقل البشري، فالعراق كبلد يعاني من ازمة اقتصادية خانقة، وتدهور واضح بالمستوى المعاشي للفرد، اما وضع الدولة اقتصاديا فلا يبشر بالخير، فمن اين هذه الاموال الطائلة؟ التي تنفق لرعاية المسير الحسيني، ليس لنا الا ان نسلم بالعناية الالهية، التي تقول للشيء كن فيكن.
اما الروحانية العالية التي تعم اجواء المسير، فذلك امر اخر يطول الكلام فيه وعنه، اذ من المستحيل ان يتجمهر هذا العدد من البشر، في بقعة صغير دون ان يحصل هناك نزاع او احتكاك، ورغم الاعداد المليونية للزائرين، نراهم يواصلون المسير كنهر جار بأنسيابية منقطعة النظير.
انها عادات شعب الاربعين، لن تراها سوى في بلاد وادي الرافدين، ذلك الشعب الذي اذهل العالم بكرمه وعطائه، رغم ماجرى ويجري وسيجري عليه!
رسل جمال