وأخيرا؛ وبعد ملحمة دامت أكثر من ثلاث سنين، جاء إعلان النصر على داعش، وتحرير أراضي العراق من دنس العصابات الإجرامية، التي لوثت ارض الوطن، وانجلاء السحب السوداء التي خيمت في سماءه، وفشل جميع المشاريع التي عولت على هذا الإرهاب، في تحقيق مآربها السياسية والطائفية.
معركة سطر خلالها العراقيون بمختلف طوائفهم، أروع معاني البطولة والتضحية شهد بها القاصي والداني، جسدت وقوف العراقيين صفا واحدا، بوجه المشاريع الهادفة الى تقسيم بلدهم وسلبه خيراته وثرواته، فكانت ملحمة تكاتف فيها الشيعي مع السني، والكردي مع العربي والتركماني مع الأيزيدي والصابئي مع المسيحي، لتتحد جميع الطوائف والمكونات تحت مسمى واحد هو العراق، الذي عادت شمسه ساطعة مرة أخرى، بعد أن خرج منتصرا من أشرس معركة، قاتل فيها نيابة عن العالم كله.
ولأن لكل حرب إرهاصاتها، التي تفرضها على الواقع المجتمعي والسياسي، وعلى الأوضاع الداخلية العامة لكل بلد، فبلا شك أن هناك تحديات جمة تواجه الحكومة العراقية بعد إعلان النصر على داعش، لعل أهمها في المنظور القريب، إشاعة السلم المجتمعي بين جميع العراقيين، وطي صفحة الماضي ومحاربة الفكر المتطرف، وتسريع عودة النازحين الى ديارهم، وتوفير الخدمات الضرورية التي تمكنهم من ممارسة حياتهم الطبيعية، والمباشرة بإعمار المدن المحررة ومدن المحررين على حد سواء، فضلا عن المعركة الأهم التي يجب على الحكومة القيام بها، وهي إعلان الحرب على الفساد الإداري والمالي.
لما رجع رسول الله (ص) من إحدى غزواته، خاطب أصحابه قائلا : ( رجعنا من الجهاد الأصغر، الى الجهاد الأكبر ) قالوا : وهل هناك أعظم من جهاد الكفار؟ فأجاب : ( نعم، هو جهاد النفس) بنفس هذا المعنى، يجب على حكومتنا القيام بحربها على الفساد والمفسدين، فالإرهاب عدو خارجي توحد الجميع على قتاله والقضاء عليه، ولكن الفساد الذي كان شريكا للإرهاب في تخريب البلد وسرقة خيراته ونهب ثرواته، وربما المسبب الرئيس للإرهاب والمؤسس له، فضلا عن تمتعه بغطاء شرعي وقانوني، جعل المفسدين يتسابقون في نهب خيرات البلد، دون أن يردعهم رادع.
فالفساد عدو داخلي نخر جسد الدولة، وتسبب بوجود مافيات مالية تضاهي الحكومة في قوتها، أوقفت عجلة الحياة وعطلت المشاريع، وجعلت شباب العراق بين مقاتل للإرهاب بدون راتب، وعاطل عن العمل يبحث عن قوت يومه فلا يجد، وأرامل تعاني في الحصول على إعانتها الاجتماعية، وغياب الحصة التموينية التي كانت توفر للفقراء قوتهم، بعد أن عجزت الدولة عن توفير مستلزماتها بسبب الفساد المستشري، والمفسدون يسرحون ويمرحون بل ويملكون الصوت الأعلى، على المنابر الإعلامية والسياسية.
لذلك فان الحرب على الفساد ستكون هي المعركة الأشرس، لأنها ضد عدو داخلي لبس قناعا واتخذ وجوها متعددة، وقد يكون بعضهم من أصحاب القرار والمتنفذين في مفاصل الدولة، وصاحب القدح المعلى فيها، وبالتأكيد فإن الحرب ضد المفسدين ستكون الجهاد الأكبر، والانتصار فيها هو الانتصار الأكبر.
ثامر الحجامي