بات من شبه المؤكد الآن حسب استقراءات الواقع، أن موريتانيا متجهة لتنظيم حوار بمن حضر وفقاً لما ذكره الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في خطاب مثير للجدل ألقاه يوم الثالث مايو الجاري ويواصل أعضاء حكومته شرحه منذ أيام في تجمعات شعبية.
وغير خاف أن هذا الخطاب زاد من توتر الساحة السياسية الموريتانية لما تضمنه من اتهامات للمعارضة بتدمير البلد في الماضي ومن أوصاف لها بأنها «مجموعة من أعداء الوطن»، وهو ما فهمت المعارضة الموريتانية منه أن الرئيس يقصيها من الحوار الذي أعلن أنه «سيجري خلال ثلاثة أو أربعة أسابيع بمن حضر».
وسبق للمعارضة الموريتانية أن أعلنت هي الأخرى في وقت سابق وقفها لجميع الاتصالات مع الحكومة ما لم تعتذر عن تصريحات ألمح فيها وزراء العدل والمالية بضرورة زيادة مأموريات الرئيس الحالي وهو ما ترى المعارضة أنه توجه نحو تعديل مواد محصنة في الدستور».
وقد أكد محمد ولد مولود رئيس حزب اتحاد قوى التقدم والقيادي البارز في المعارضة في تصريحات أخيرة لأسبوعية «لوكلام» الصادرة بالفرنسية «أن خطاب الرئيس الموريتاني الأخير في النعمة كان بمثابة إعلان حرب أكثر من كونه بحثاً عن حوار».
وقال «إن أهمية أي حوار جاد هو التوصل لحل الخلافات بين أطرافه..ويعني ذلك أن يتوصل الطرفان بصورة طوعية لتسوية تطبع العلاقات وتفتح الباب أمام تناوب ديموقراطي سلمي على السلطة».
وتساءل ولد مولود عن الطرف الذي يعرقل اللقاءات الممهدة للحوار منذ أشهر؟، إنه، يقول ولد مولود، طرف الحكومة الممتنع عن الرد كتابياً على المقترحات المكتوبة التي تقدم بها منتدى المعارضة».
وأضاف ولد مولود «ما سمعناه في خطاب النعمة هو رئيس يمنح لنفسه الحق في شتم المعارضة الديموقراطية ووصفها بأنها «مجموعة من أعداء الأمة». «إن الرئيس يقول ولد مولود، يسعى لسوقنا بالعصا نحو حوار يحدد هو وحده آجاله وشكله ونتائجه حيث أنه ذكر أن الغرض من الحوار هو إلغاء مجلس الشيوخ».
وأضاف «يريد ولد عبد العزيز من المعارضة أن تجلس معه على مائدة حواره لالتقاط صورة يسوقها للرأي العام لا أكثر».
وضمن انشغال الشخصيات المرجعية الموريتانية بخطورة هذا التجاذب المستمر بين نظام الرئيس ولد عبد العزيز ومعارضيه على استقرار موريتانيا، كتب القيادي المعارض البارز محمد فال ولد بلال وزير الخارجية الأسبق تحليلاً تحت عنوان «السلطة والمعارضة معاً… في خطر».
ودق ولد بلال وهو من أكثر شخصيات المعارضة اعتدالاً، أمس ناقوس الخطر مؤكداً «أن القطيعة التامة والشك والريبة المتبادلة بين النظام والمعارضة التي تحولت منذ خطاب النعمة إلى ما يشبه العداء، كلها عوامل تؤشر لمجال سياسي مغلق ومأزوم».
«إن ما نشاهده هذه الأيام، يضيف ولد بلال، وما نسمعه من خطابات «عدوانية» وخطابات مضادة منغلقة على ذات حصرية طاردة للآخر، يكفي للدلالة على أن سفينة الوطن تطفو بصعوبة على سطح بحر من الأزمات، وباتت مهددة بالغرق – لا قدر الله – إن لم نتدارك أمرها».
«بالفعل، يقول وزير الخارجية الأسبق، نحن أمام ساحة سياسية آخذة في التآكل والتفكك والتشظي والتناثر…لا مركز لها، ولا نقطة توازن، الكل فيها يحارب الكل! ولم يبق شيء محل تراض أو إجماع، فالسلطة ترى في المعارضة عدواً للوطن يجب الإجهاز عليه، بل تذهب إلى أن كل من لا يواليها هو عدو محتمل؛ والمعارضة، من جهتها، ترى في السلطة قوة شر ونهب وتخريب يجب استئصاله ونفيه».
وقال «المشكلة في هذين الخطابين الضدين لا تكمن في عدم إمكانية التقاء القائلين بهما وفي عدم إمكانية الحوار بينهم فقط، بل تكمن أساساً في أن أصحاب السلطة لا يرون في النظام شيئاً يحتاج إلى إصلاح، وأصحاب المعارضة لا يرون فيه شيئاً يمكن أن يصلح».
وخلص ولد بلال لتأكيد «أن واقع موريتانيا اليوم واقع عقيم وسقيم، عنوانه البارز: «تأزيم» ثم «انقلاب»، ثم «تأزيم»، ثم «انقلاب»، ثم «تأزيم»، و هكذا دواليك، ومع كل انقلاب يسقط الجميع – تسقط السلطة والمعارضة معاً – و يبدأ العمل من الصفر؛ فهذا النوع من العمل السياسي «موالياً» كان أو «معارضاً» لا طائل من ورائه ولا فائدة فيه».