يواصل انخفاض أسعار النفط إلحاق خسائر فادحة بالمملكة العربية السعودية، وهو ما يسبب في نوع من الاضطرابات العمالية نادرة الحدوث.
وقد أجبرت الشركات في البلدان المصدرة للنفط في الآونة الأخيرة على الإطاحة بعشرات الآلاف من موظفيها خلال الأشهر الأخيرة. ويقول محللون إن الحكومات، في المقابل، فرضت تدابير التقشف المؤلمة على المواطنين، ما ينضج الظروف لاضطرابات مماثلة لتلك التي شهدتها المنطقة إبان الربيع العربي.
في أواخر الشهر الماضي، قام عمال البناء بإحراق الحافلات خلال تظاهرات لهم في المدينة المقدسة، مكة المكرمة، احتجاجا على عدم تقاضيهم رواتبهم منذ شهور.
ويأتي ذلك ليضيف إلى حالة عدم الارتياح الناجمة عن الصعود المثير للجدل لنجل الملك ووزير الدفاع البالغ من العمر 30 عاما، «محمد بن سلمان». ويتولى «بن سلمان» المسؤولية عن خطط الإصلاح الاقتصادي ولكن التنافس داخل العائلة المالكة وبين النخب الدينية يبدو أنه يعيق محاولاته لتوطيد سلطته.
«الظروف التي أنتجت الربيع العربي قبل 5 سنوات لم تذهب بعيدا. وتبدو الأمور أكثر مدعاة للقلق في المملكة العربية السعودية الآن» وفقا لـ«بروس ريدل» مستشار السياسة الخارجية الأسبق للرئيس «أوباما» وكبير المحللين في معهد بروكينغز. وقد تمكنت المملكة العربية السعودية بفضل نظام الرعاية الاجتماعية السخي الممول من عائدات النفط من تجنب الاضطرابات الكبيرة حين ضربت موجات الربيع العربي كل من مصر وتونس وليبيا وسوريا في عام 2011.
المملكة العربية السعودية، حليف الولايات المتحدة والمصدر الأكبر للنفط في العالم، لا تزال بلدا غنيا. وقد نجحت سلفا في التعامل مع موجة سابقة من انخفاض الأسعار من قبل. ولكن حتى مع ارتفاع أسعار النفط الخام وصولا إلى ما يقرب من 50 دولارا للبرميل ارتفاعا من 30 دولارا في وقت سابق من هذا العام، فإن المحللين لا يتوقعون أن تعود الأسعار في أي وقت قريب إلى ذات المستويات المرتفعة التي كانت عليها قبل عامين.
وتعد المنافسة الدولية في أسواق الطاقة مسؤولة بشكل جزئي عن انهيار الأسعار. وكذلك السياسة السعودية التي عمدت إلى محاولة إفلاس المنافسين في البلدان الأخرى عن طريق الحفاظ على مستويات إنتاج مرتفعة نسبيا.
ومع ذلك، يبدو أن المسؤولين السعوديين يدركون بشكل جيد الحاجة الملحة إلى تقليل الاعتماد الساحق على مبيعات النفط في البلاد والتي تمثل أكثر من 80% من الإيرادات الحكومية. في الشهر الماضي، أعلن الأمير «محمد بن سلمان»، ولي ولي العهد ووزير الدفاع، عن إعادة هيكلة اقتصادية كبرى يطلق عليها اسم رؤية 2030. وتعتزم هذه الخطة تحقيق الشفافية في المؤسسات الحكومية والعمل على زيادة الدخل من القطاعات غير النفطية.
وتتضمن الخطة أيضا الخصخصة الجزئية لشركة النفط الوطنية الحكومية، أرامكو، والعمل على خلق فرص عمل واسعة النطاق. وقد أصبحت البطالة تمثل مشكلة كبيرة بالنسبة إلى السعوديين، وخاصة أولئك الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما، والذين يشكلون الغالبية بين 22 مليون مواطن في المملكة.
وقد تقلص النمو الاقتصادي في البلاد بشكل ملحوظ مؤخرا، كما نما عجز الموازنة بشكل كبير. وقد دفع ذلك صندوق النقد الدولي للتحذير في العام الماضي من أن المملكة العربية السعودية قد تستنفذ احتياطاتها النقدية خلال أقل من 5 أعوام إذا فشلت في إجراء إصلاحات.
وقد استجابت السلطات لهذه الأزمة عن طريق خفض الدعم على المياه والوقود والكهرباء، ولكن يقول الخبراء الماليون أن هناك حاجة ماسة إلى ما هو أكثر من ذلك وربما إلى فرض الضرائب التي تعد قضية شديدة الحساسية بالنسبة إلى السعوديين.
ولكن بعض السعوديين قد يكونون مستعدين لقبول مثل هذه التغييرات.
«على التغييرات أن تكون تدريجية ومقبولة. ولكن معظم الناس يتفهمون أن هناك حاجة ماسة إليها»، وفقا لــ«عبد العزيز بن عثمان بن صقر» رئيس مركز الخليج للأبحاث، الذي يعيش في المدينة الساحلية جدة.
ولكن الكثيرين يشككون فيما إذا كانت التغييرات الضرورية يمكن إدخالها بالسرعة الكافية في مثل هذا المجتمع المحافظ الذي يدار من قبل حكم ملكي مطلق لديه رغبة قليلة في إدخال أي إصلاحات سياسية.
مقاومة من قبل المؤسسة الدينية
ويقول «سايمون هندرسون»، وهو خبير في شؤون المملكة العربية السعودية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أن المؤسسة الدينية لم تبد أي ردة بفعل بشان خطة الأمير «محمد»، بما يعني ربما أنها لا توافق عليها.
«لا يوجد شيء في التغييرات الأخيرة من شأنه أن يكون مدعاة للفرح في المؤسسة الدينية» وفقا لـ«هندرسون».
الأمير «محمد»، الذي يشغل أيضا منصب وزير الدفاع في البلاد، أثار بدوره انزعاجا كبيرا بين السعوديين بما في ذلك بعض أعضاء العائلة المالكة بسبب شن حرب مكلفة في اليمن ومواجهة إيران المنافسة في جميع أنحاء المنطقة بقوة.
وفي هذا الشهر قام الملك «سلمان» بإجراء تعديلات أخرى في الحكومة جرى تفسيرها على أنها تمهد الطريق لابنه نحو الصعود إلى العرش.
ولكن القضية الأكثر إلحاحا فيما يبدو أنه لم يعد هناك متسع لدعم الاقتصاد بالمزيد من تدفقات النقد. ويبدو أن هذا ما أدى إلى مظاهرات خلال الشهر الماضي من قبل العاملين في مجموعة بن لادن الذين تم الاستغناء عنهم بعد أشهر من عدم تلقي رواتبهم. وقد أظهرت مقاطع الفيديو الحافلات المحترقة وصوت صفارات الإنذار تدوي في الخلفية.
الشركة، عملاق البناء التي يديرها شقيق «أسامة بن لادن»، قررت التخلي عن عشرات الآلاف من العمال معظمهم من غير السعوديين خلال الأشهر الأخيرة. وقد قدر حجم ديون الشركة بحوالي 30 مليار دولار جزء كبير منها ديون مستحقة على الحكومة التي لم تقم بسداد فواتيرها.
وكانت السلطات السعودية منعت الشركة من التقدم لأي عطاءات للحصول على عقود جديدة في أعقاب حادث سقوط رافعة المسجد الحرام خلال العام الماضي والذي تسبب في مقتل 111 شخصا والتي استفاد منها شقيق الملك بشكل كبير في الضغط على الشركة العملاقة وابتزازها.
ولكن المعضلة الرئيسية التي تواجه بن لادن وغيرها من الشركات تكمن في نقص الأعمال وتأخر المدفوعات المستحقة عل الحكومة وفقا لما قاله «كريستوفر ديفيدسون» الخبير في شؤون دول الخليج في جامعة دورهام في بريطانيا.
«هذا الأمر أكبر من حادثة الرافعة. ليس من مصلحة السعوديين أن يسمحوا لأكبر شركة إنشاءات في البلاد بالفشل».
وحتى الآن، فإن معظم هؤلاء المسرحين هم من الأجانب الذين يشكلون جزءا كبيرا من قوة العمل. لكن «ديفيدسون» قال إنه يتوقع أن الشركات ستبدأ بتسريح أعدادا كبيرة من الموظفين السعوديين بالرحيل وهو أمر من شأنه أن يزيد من فرص الاضطرابات.
واشنطن بوست