بدأ التحرك الاسلامي في العراق، عام ١٩٤٩ واكتملت بداياته عام ١٩٥١، على يد السيد الشهيد (مهدي الحَكِيم) رضوان الله عليه، واشتدت حركته في تموز ١٩٥٧، بتأسيس أول حركة إسلامية، وقفت بالضد من الحركة الشيوعية آنذاك، الَتِي اكتسحت البلاد من شماله الى جنوبه.
بعد نجاح الحركة الإسلامية في التصدي للتيارات اللادينية، دخلت مرحلة العمل السياسي، واسميت تلك الحركة بـ (الحزب الفاطمي) ليتم تغيير اسمها الى (حزب الدعوة الإسلامية)، والتي سعى في تأسيسها السيد الشهيد (مهدي الحكيم)، حيث طلب من السيد (طالب الرفاعي)، أن يطرح الامر على السيد الشهيد (محمد باقر الصدر)، وهذا ما تحدث به الرفاعي في عدت لقاءات تلفزيونية، كما ذكرها أيضاً في كتابه (الأمالي).
عندها كان آل الحكيم أول عمامة دينية مرجعية تدخل العمل السياسي، في خمسينيات القرن الماضي، ليحملوا رايتها واحداً تلو الآخر، بعد هجرة طويلة دامة قرابة الـ (٢٤) عام، بعد تقديمهم العشرات من الشهداء من أجل العراق، ناهيك عن العشرات الَتِي كانت دهاليز السجون مسكنهم ومأواهم.
لكن بعد سقوط النظام العفلقي، وعودتهم من المهجر كان على السيد (محمد باقر الحَكِيم) ان يقدم نفسه قرباناً، يخضب بدمائه جدران ضريح أمير المؤمنين الامام (علي ابن ابي طالب) عليه السّلام، ولَم يدوم الامر طويلاً حتى لحق به المرحوم السيد (عبد العزيز الحَكِيم)، بعد معانات طويلة دامت مع المرض، ليسلم الراية الى خليفته السيد (عمار الحكيم).
الغريب في الامر، ما إن سقط النظام البعثي، حتى بدأت الماكينات الإعلامية المأجورة، توجه سهامها المسمومة اتجاه تلك العائلة المضحية، بلا ذنب قد اقترفوه، الا لأنهم عادوا الى العراق، حالهم كحال الكثير من المعارضين والمهجرين، لممارسة العمل السياسي، مع إنهم لم يحكموا الدولة، ولَم يمسكوا بزمام السلطة، لا التشريعية ولا التنفيذية، لكن الإعلام أخذ مأخذه منهم، حتى أصبحوا يسبون كما يسب اَي شخص اعتيادي، وكأن ارض العراق لم تخصب بدمائهم، ولَم تخط ذكرياتهم على جدران السجون الظالمة، ولَم يحملوا آلامهم وأحزانهم طوال سنوات المهّجر.
والأكثر من هذا غدى اغلب السياسيين يحاربونهم بالعلن، واستذكر قول احدهم عندما قال "والله سأجعلهم يوزعون الماء في المواكب الحسينية"!!!، نسي ان القضية الحسينية هي قضيتهم الاولى والأخيرة، وبدأ العداء الداخلي والخارجي لهم، لأجل إخضاعهم للطاعة، وتناسوا رسالة شهيد المِحْراب، التي بعثها لطاغوت البعث، عندما قال "هيهات منّا الذلّة" وهو قول الامام الحسين عليه السّلام ليزيد.
واعلنت الحرب نهاراً جهاراً على آل الحكيم، لترغم (منظمة بدر) على ترك (المجلس الأعلى) في حينها، والإلتحاق بالمالكي، لتعاد الضغوط ذاتها على الحكيم، ليخرج من ذات المجلس، ويشق طريقه مع ثلة من المخلصين لآل الحكيم النجباء، مع مجموعة كبيرة جداً، من الشباب المؤمنين بالحكيم ومشروعه الفتي، وشعاره تمكين الشباب لصناعة المستقبل، في تيار الحكمة الوطني، لكن عاد الأسلوب ذاته، فما إن دخل الحكيم في التحالف المشترك بين الفتح والنصر، حتى إنشق تحالف الفتح عن النصر قبل طلوع الشمس، وبدأت الضغوط الأجنبية تزداد يوماً بعد يوم، لتخرج الحكيم من تحالف النصر.
كثيراً ما اتهم الحكيم بما ليس فيه، ووجهت السهام البغيضة اتجاهه، وهذا الامر جلي لا يحتاج الى ان يبحث المتابع عن الأسباب والحيثيات التي تدفع الآخرين لمعاداته، فَلَو رجعنا قليلاً الى عام ٢٠١٤ عندما وقف الجميع بوجه الولاية الثالثة، وكان الحكيم أولهم، فلقد عرضت عليه غالبية الأطراف السياسية، بكل مكوناتها السنية والكوردية وحتى الشيعية، ان يستلم المجلس الأعلى الحكومة بقيادته، وبالمقابل تعطيه تلك الأطراف الثقة، إلا انه رفض ذلك الامر رفضاً قطعياً، خشيةً من شق عصى الشيعة، وأصر ان يأخذ (حزب الدعوة) تشكيل الحكومة بمسانده منه ومن بعض الأطراف، ليستلم بعدها العبادي رئاسة الوزراء.
ترك الحكيم المجلس الأعلى، وذهب الى النجف، ثم عاد بعد ثلاثة ايّام ليعلن عن تشكيل تيار الحكمة الوطني، وأعلن عن مشروعه الوطني في وضح النهار، لكن عليه ان يدفع ثمناً لذلك، أو يكون تحت الوصاية الخارجية التي كان وما زال رافضاً لها، فبعد خروج تحالف الفتح، خرج هو من تحالف النصر، ليعلن نزوله منفرداً بمشروعه الوطني العابر للطائفية، وسيبقى الحكيم داخل حدود الوطن، مراهناً على ثلة خيرة من الشباب الوطني المؤمن بالحكيم ومشروعة.
��<Ġ~
رضوان العسكري