قادني القدر البارحة مجبرا لا مخيرا إلى دار الوزير الأول السابقة التي تحولت إلى مستشفى للأمومة والطفولة بنواكشوط ، وفي جناح الأطفال منه قضيت تسع ساعات كان كل ثوانيها قصص معاناة تكشف لا إنسانية بعض العاملين في مستشفياتنا وتدني الخدمات العمومية المقدمة من هذه المستشفيات .
كتب الطبيب وصفة للمريض الذي أرافقه وتوجهت إلى صيدلية المستشفى لشراء الدواء في حدود الساعة الواحدة فتفاجأت برجل يضاجع امرأة في السرير المخصص للصيدلاني سلمت ودققت الباب ، حدثت خشخشة ثم تبرمت السيدة وهي تقول ألم أقل لك اتركني وأمسكت بالوصفة على عجل وعيناها إلى التراب وقالت لي هذا الدواء غير موجود في الصيدلية ثم عادت إلى فراشها …
هل الرجل زوجها أو عشيقها …الله أعلم …
ما أعرفه أن المستشفيات لم تعهد لهذا …
خرجت إلى الصيدليات المداومة أمام المستشفى فلم أجد الدواء لأتوجه إلى الصيدليات المقابلة للمستشفى الوطني عدت بالدواء …ثم بدأت في البحث عن من يسمونها “الدكتورة ” وبعد طول بحث وجدتها وقد أغلقت عليها باب غرفة ومنهمكة في أكل وجبة عشاء …عدت أدراجي منتظرا وبعد ساعة راجعتها فقالت إنها لم تنه بعد تناول عشائها …انتظرت ساعة أخرى ثم عدت إليها فقالت إنها انتهت من الأكل لكنها بحاجة إلى تناول قنينة من الكوكا وبعد المرطبات …عدت أدراجي لكن أحد مرافقي غضب من لا مبالاة الدكتور ــ ربما لأنه لم يتناول وجبة العيش التي أدمن على تناولها ــ فقام إلى الدكتورة وأسمعها ما تكره واتهمها باللامبالاة وبغياب الحس الإنساني …
جاءت الطبيبة ونظرت إلى الدواء ثم قالت إنه ليس هو الذي تريده وإنها ستستبدله ..لم أمانع لأن كل همي هو أن ينتهي ذلك الألم عن هذه الصغرى التي لا ذنب لها ..كتبت الوصفة الجديدة وخرجت وبعد ما قطعت أميالا في اتجاه الصيدلة هاتفي أحد المرافقين بأن الدكتورة بعد اطلاعها على الفحوص قررت استبدال الوصفة للمرة الثالثة عدت وأخذت الوصفة وجئت بالدواء وأتيت إلى الدكتورة فنهرتني قائلة لست مكلفة بتعليق الحقن ابحث عن الممرض ..,وبدأت رحلة تيه جديدة …
وبينما أنا أبحث عن الممرضة جمعت الدكتورة ثيابها وخلعت بذلتها وغادرت المستشفى لأكتشف لاحقا أن دكتورا جديدا بدأ المداومة في مكانها ولم أره إلا بعد دخول سيدة مكلومة وبين يديها وليدها الذي يبكي بكاء شديدا ..سألت عن الدكتور فدلت على غرفته دخلت عليه وبعد لحظات خرجت بعد خصام معه …سألت عن أسبابه قالت لي السيدة إنه أمرها بأن تسكت الصبي فقالت له إنه لا يمكنها ذلك لأنه يتألم ولن يسكت إلا بعد زوال الألم أو خفته فقال لها “إذا كنت لا تستطيعين إسكاته فاخرجي عني واستدعى حرس المستشفى لإخراجي … ” .
استنكرت مع بعض الحاضرين سلوك الدكتور الشاب وخاطبناه في ذلك فأصر على أنها ستخرج ولن يقابلها طبيب بهذا المستشفى …وكرر أمره للحارس بغلق الباب في وجهها وكأنه يغلق باب بيته …في خضم الخصام مع الدكتور المستشيط غضبا غادت السيدة بوليدها مع أمها …وبقيت أنفخ في الهواء وأكرر رحم الله الحجاج ما أعدله …
علمت في ما بعد أن الدكتور الذي عرفت من أمره وأنكرت يدعى الدنبجة ولد القاضي وذلك بعد توقيعه على وصفة كتبها للصغرى التي أرافقها ، أما زميلته المغادرة فمن حسن حظها أنها لم توقع الوصفات التي كتبت ولذلك لم أتعرف على اسمها .
إنه غيض من فيض قصص المعاناة التي عشتها البارحة في مستشفى الأمومة والطفولة والتي خرجت منها بما يلي :
ــ انعدام الإنسانية في بعض الأطباء خاصة من ذوي التجربة القاصرة
ــ إدمان بعض هؤلاء الأطباء على الفحش في القول حينما يخاطب المرضى حيث يخاطب وكأنهم أبناؤه أو طلاب صدقة على بابه
ــ تدني مستوى الخدمات داخل المستشفيات بالعاصمة
ــ تعاظم المأساة داخل هذه المستشفى مع تأخر ساعات الليل وتحولها إلى غرف نوم بكل ما تعنيه الكلمة من معنى .
إنها مأساة تستحق العناية المركزة
من صفحة الأستاذ عبد المجيد ولد إبراهيم