في شهر نوفمبر لعام ١٩٣٨، عندما كان ستة ملايين امريكي يتابعون شبكة cBs الاذاعية، كانت الاذاعة تبث حفلا موسيقيآ من احد الفنادق الفخمة في نيويورك بمناسبة "عيد القديسين" وفجأة انقطع البث الاذاعي؛ ليذيع احدهم خبر عاجل عن هبوط مركبة فضائية غريبة الشكل، وقد بدى على صوته الخوف و التوتر، مما أثار حالة من الهلع والخوف و الفوضى عمت المدينة، واسرع الناس الى لملمة اغراضهم والتوجه بسياراتهم الى خارج المدينة، ليتبين فيما بعد ان الخبر عبارة عن مزحة ما!
مليون ممن كانوا يستمعون للخبر تعاملوا معه على انه حقيقة، وتحولت هذه الحادثة فيما بعد الى ظاهرة للدراسة والبحث، عن تأثير وسائل الاعلام على سلوكيات الافراد والمجتمع، واصبح للاعلام قوة خفية لتغيير مجرى الاحداث، والتحكم بها وتغيير الحقائق وتزييفها، وتوجيها حسب اهواء القائمين على تلك المنظومات الاعلامية، وفقآ لما يخدم مصالحهم.
اذ اصبح الاعلام الموضوعي والمهني والمحايد، ضرب من الخيال بعد هيمنة التوجهات الحزبية الضيقة، لذلك اصبحنا نرى ان الرسائل الاعلامية ليست بريئة ابدا، فبعض وسائل الاعلام اصبحت عبارة عن غدد سرطانية من جهة وفقاعات فارغة من جهة اخرى، اذ يقوم القائمين على تلك الوسائل الاعلامية المسمومة، على افراغ الاعلام من محتواه التوعوي الثقافي، ليكون اداة تستهدف عقول الجماهير، وجعلهم ادوات لتطبيق اغراضها، وذلك من خلال تمرير رسائل خفية، وعلى فترات طويلة.
فلم تعد الغاية من وسائل الاعلام نقل الاحداث، بل تغليف الواقع باحداث وهمية، اي تزييف للحقائق والاخبار.
اما الان فقد برزت على السطح ظاهرة ربما اكثر خطورة من مسالة "الاعلام المأجور" الا وهي " ثقافة الهرج الاعلامي" خصوصا ونحن نشهد الموسم الانتخابي، المزدحم بمختلف الاساليب الجديدة والمبتكرة، لجذب الناخب من جهة، ولتجميل الصورة القبيحة للسياسين الفاشلين من جهة اخرى،
فأصبحت الثوابت الدينية والمعتقدات المقدسة، بأيدي العابثين ممن يتصدرون الشاشات ليوظفوها لصالح الدعاية الانتخابية، لكنهم تجاوزا الحدود هذه المرة واصبحت تلك الاستعراضات اللفظية وبالا عليهم، واصبحوا مدعاة للسخرية ليس الا.
عندما لا تخضع وسائل الاعلام لمعايير المهنية، وتنزوي الرقابة عن اداء دورها الحازم، لمنع مثل هكذا ملوثات اعلامية من الظهور، ستصبح شاشة التلفاز ساحة لاستعراض الفوضى، اكثر من كونها رسالة نبيلة موجهة للناس.
رسل جمال