ان تقاطع المصالح الإيرانية الامريكية يلقي بضلاله على مسار تشكيل الحكومة القادمة، فكما يعلم الجميع بتمحور القوى السياسية العراقيّة في محاور عدّة: بين محور شرقي ايراني, ومحور غربي خليجي أمريكي, وآخر وطني داخلي.
أدوات المحور الشّرقي معروفة لدى الجميع, كمعرفة أدوات المحور الخليجي الامريكي، الا ان الاخير لن يستطيع تنظيم صفوفه منذ بداية الامر، لتجربة سابقة عاشها في حكومة ٢٠١٠، عندما قام المالكي بتفتيت كتلهم، عن طريق استخدام بعض الأساليب القذرة التي يستخدمها اليوم، كالتهديد بملفات فساد, والترغيب بمناصب تنفيذية، وشراء الذمم، بالإضافة الى ممارسة قوى خارجية ضغوطاً سياسية على بعض الكتل لإرغامها على البقاء ضمن تحالفه.
المحور الوطني هو الاقوى داخلياً، والأكثر عدداً من غيره، لكنه لا يمتلك العدد الكافي لتشكيل الكتلة الأكبر، التي يمكنها ان تمرر الحكومة، لذلك يحتاج الى كتل من محاور أخرى.
امريكا بكل تأكيد لن تدعم محور الفتح، لقربة واتصاله المباشر بإيران، ولا تمتلك كتلة كبيرة يمكنها ان تدخل في صراع تشكيل محور حكومي، لذلك ستقوم بدعم التحالف الآخر، حتى وان رأت انه لن يلبي مصالحها، لكنه خيار واقع الحال الذي ستختاره القوى السنية والكردية مرغمةً.
ايران في نهاية لن تترك محور سائرون خالي من تمثيلها، ولن تسمح بتشكيل حكومة دون رضاها، فاذا رأت ان نواة الكتلة الاقرب الى تشكيل الكتلة الأكبر، تدفع بالفتح او جزء منه للدخول مع محور سائرون، لتضمن تواجدها داخل الحكومة، هذا اذا ما فشلت في جمع شتات التحالف الوطني الشيعي.
القوى السنية لن تعلن عن موقفها الصريح حتى انتهاء القوى الشيعية من ترتيب وضعها الداخلي، كي تجنب نفسها الابتزاز والتقاطعات مع القوى الخارجية، عندها ستدخل مع التحالف الأكبر، فِي هذه الحالة لن تزعج لا امريكا ولا ايران، باعتبار ان خياراتها جاءت حسب ظروف واقع الحال السياسي.
في الاخير ستخضع القوى الكردية لواقع الحال، باتجاه الكتلة الأكبر، مع حصولها على تعهدات مناقشة شروط دخولها الحكومة حسب الدستور، وذلك اضعف الإيمان، لأن وضعها الداخلي لن يسمح لها ان تكون في الخارج، بسبب احتدام الخلافات بين القوى الكردية, وتدهور وضعهم الاقتصادي، وخشية الحزبين الرئيسيين ان يكون احدهما خارج التشكيلة القادمة.
المعطيات النهائية يصعب التكهن بها، لكن يجب ان يكون هناك محور رابح وآخر خاسر، محور سائرون الاقرب الى تشكيل الكتلة الأكبر، لأن السنة والأكراد لديهم تجارب مريرة بتحالفاتهم السابقة مع المالكي، لا يريدون إعادتها مرة اخرى، لذلك ولحد الآن لن يعلنوا موقفهم الصريح من اَي المحاور، كما ان (خميس الخنجر) المرفوض من قبل سائرون والحكمة، يشكل حجر عثرة امام دخول القوى السنية في التحالف، مما سيجبر القوى السنية على الانقسام او ابعاد الخنجر من العملية السياسية الحالية، لكن بعد الانشقاقات التي حصلت داخل كتلة النصر اصبح الوضع اكثر سوءً من ذي قبل.
حسم رئاسة الوزراء اصعب من تشكيل الكتلة الأكبر، لأن حظوظ العبادي أصبحت ضعيفة خاصةً بعد رفض المرجعية له، وستزداد ضعفاً بوجود (فالح الفياض) المنافس الاقوى اذا ما بقي ضمن النواة، وفي حال دخول (هادي العامري) في قادم الايام سيسحق آخر امال العبادي بالولاية الثانية، لأنه لن يكون المرشح الوحيد، مع دفع سائرون والحكمة بمرشح مستقل عند اكتمال نصاب الكتلة الأكبر.
لكن ستتلاشى احلام الفياض بالفيض الرئاسي بعد الانشقاق، لأن العبادي سيكشف جميع أوراق الفساد المتعلقة به، كما سيقوم بمناورة اخرى مع بعض الشخصيات المنشقة معه ليرغمها على العودة للنصر.
الأزمة الداخليّة السياسية في العراق اكبر من الخلافات الامريكية الإيرانية، وهذا واضح جداً، فمنذ انتهاء الانتخابات في اواخر (أيار/ مايو) الماضي والى اليوم لن تستطيع القوى الخارجية ارغام أياً من الكتل على الذهاب بالاتجاه الآخر، مما سيجعلها في مخاض عسير قد تطول مدته الى ما بعد رأس السنة الميلادية.
رضوان العسكري