العلاقة بين المجتمع المدني والدولة:
إن مفهومي الدولة والمجتمع المدني، يقومان على مبدأ تكامل الأدوار بينهما، التي تتميز وتتسم بالتوافق والتصادم في نفس الآن؛ وهي علاقة ليست علاقة مبنية عل التنافسية، بل تقوم على أسس التكامل والتعاون والتشارك حول موضوع Sujet التدخل Intervention، مع الحفاظ لكل طرف في هذه العلاقة بآرائه ووجهات نظره في قضايا المجتمع، والتي ترمي كلها في المصلحة العامة للمجتمع، من أجل البناء الحضاري والتقدم البشري غاية وهدفا، لأن المجتمع المدني جاء تتويجا لمرحلة من مراحل تطور الدولة، وسيظل في حاجة دائمة إلى دعم وضمان حماية أمنه من طرف الدولة، لمنع أي تجاوز قد يحدث نتيجة أي شطط غير شرعي وغير أخلاقي أو يمس بالأمن العام؛ كما أن وجود دولة قوية يرتهن بدعم وسند المواطنين، إذ أنه بمستطاعهم إذا ما تجمعوا وتكتلوا منتظمين في إطار تنظيمات مدنية، إبراز المجتمع المدني كقوة اقتراحية للدولة، ويكون له تأثير في الرأي العام؛
لأجل بناء المستقبل التنموي الشامل للمجتمع، ينبغي تدخل تنظيمات المجتمع المدني في المواجهة والتصدي لأهم مظاهر التحديات التي تقف في وجه هذا البناء، ومن أهم هذه التحيات التي تواجه الشباب على وجه التحديد:
إحساسهم بالغبن والإحباط في المستقبل الناتج عن أوضاع التخلف المزري الذي استفحل انتشاره بقوة على عدة مستويات، سواء مننه التخلف الفكري والاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
متاهات الشباب أمام ما أصبح يعرف اليوم ويروج له بصدام أو صراع الحضارات التي نتجت وتولدت عن الصراع والالتقاء الحضاري، وأصبح معه من الصعوبة بمكان خروجهم من هذه الدوامة، وما لازمهم في ذلك من ضياع أو فقدان لهويتهم.
صدمة الشباب بالمستقبل المفقود مع تزايد وارتفاع وثيرة مخاطر الغزو الثقافي الخارجي والتقني نتيجة للثورة الإعلامية التي تزرع أفكار وقيم غريبة ودخيلة تشجع ثقافة الاستهلاك.
مواجهتهم لمعضلة المنظومة التربوية والتعليمية، التي لا تقدم لهم الفرص الحقيقية في التنمية الفكرية المؤهلة للإبداع والخلق والابتكار والإنتاج، وبالتالي الاندماج الكلي في ميدان الشغل والحياة العامة، الأمر الذي يساعد في الانتقال إلى التنمية.
معاناتهم مع مناخ الأنوميا Anomie والمقصود بها كما جاء عند إميل دوركهايم بخلل المعايير والقيم، أو عند ماكس فيبر بتعدد أو بصراع الآلهة Polytésme وذلك في الصراع بين الرؤى والقيم المختلفة، هذا المناخ الذي يسود في أوساط الشباب بدخول قيم جديدة، وتضاؤل أهمية الأصول والمنحدرات، وتوسع حقل الاختيارات أمام الأفراد، وذلك كالمردودية والنجاعة، والكفاءة، وتضاؤل أهمية الأصول والمنحدرات، وتوسع حقل الاختيارات أمام الأفراد، وانتشار فكرة المساواة، شيوع وقيم التحرر: تحرر الأفراد والفئات الاجتماعية (المرأة الطفل)، وذلك مقابل القيم القديمة القائمة على تراتبية قوامها أهمية رأس المال الرمزي، والشرف في تحديد المكانة الاجتماعية للأشخاص، وأولوية علاقات القرابة، وأخلاقيات الضمير، والطاعة، والولاء، والاتكال على الأقدار، مع ما يلازم ذلك من اختلاط واضح في سلم القيم، نتيجة تداخلها وتــعارضها أحيانا، بحيث تستفحل تناقضات أنساق هذه القيم بين الأجيال، أدى إلى افتقار الحياة الاجتماعية التي يعيشها إلى الإحساس بعد القدرة على الفعل Action، وبالتالي أفقده الإحساس بالانتماء إلى الجماعة، مما يحول دون الاتفاق على ما هو مشترك فيه مع الآخر التزاما منهم أمام المجتمع.
الشباب والمجتمع المدني:
الشباب هم طليعة كل مجتمع، فهم عموده الفقري، وقوته النشيطة والفاعلة، فأهمية هذه الشريحة المجتمعية باعتبارها مورد وطاقة بشرية ينبغي الاهتمام بتنميتها وتأهيلها في أفق استغلالها في مجالات متعددة ومختلفة للنهوض بالمجتمع، في ظل التحدي للتحولات والتغيرات القائمة اليوم، ومن أجل المساهمة، بل والمشاركة في البناء الحضاري والتقدم البشري الذي هو غاية وهدف كل شعوب المجتمعات بجميع مكوناتها الفردية والجماعية، وتنظيماتها ومؤسساتها وقطاعاتها الحيوية، من بينها تنظيمات المجتمع المدني الذي يهمنا الآن، والمقصود بها كل الجمعيات والمنظمات غير الحكومية التي تقدم خدمات على اختلاف تنوعها ومجالاتها التي أنشئت من أجلها بشكل إرادي تطوعي بين مؤسسيها ومنخرطيها دون تحقيق الغاية الربحية المادية، واضعة على عاتقها أدوار ووظائف تقدمها لفائدة المجتمع في علاقاتها بمتدخلين آخرين وعلى رأسها الدولة.
إن الدور الأساسي لتنظيمات المجتمع المدني واضح لأنه مجتمع مستقل إلى حد كبير عن إشراف الدولة، فهو يتميز بالاستقلالية والتنظيم التلقائي وروح المبادرة الفردية والجماعية والعمل (التطوعي، والمحاسبة من أجل خدمة المصلحة العامة، والدفاع عن حقوق الفئات المستضعفة والمعوزة )، مجال يرفض تفشي انتشار المحسوبية والزبونية والعلاقات العائلية والمصلحة الضيقة لإيمانه الراسخ بالفعل والممارسة للذات الجمعوية الفاعلة فيه، التي تتجلى في العمل والاجتهاد بما تملكه من قدرات بشرية و مادية، وما يمكن أن تقدمه وتسديه في تأهيل الشباب لتحمل المسؤولية، وتمكينهم من الأرضية الصلبة التي تحميهم من الفراغ الإيديولوجي، لتفعيل دورهم في النهوض بمكانة المجتمع في العصر الحالي
بالإضافة إلى تعقّد ظروف وشروط الحياة، تزايدت احتياجاتهم المتنوعة، وأصبحت في تطور مستمر، لذا فإن المجتمع المدني من خلال تنظيماته وجمعياته يساهم في إبراز أسلوب جديد للحياة في المجتمع وتنظيم العلاقات فيه، بما يضمن حل الصراعات بشكل سلمي في إطار الحوار تجنبا لكل مظاهر العنف، وذلك بناء على مجموعة من المعايير تتم ترجمتها إلي قيم ومعتقدات وسلوكات يومية، تشكل ثقافة الإنسان ونظرته إلي هذه القضية أو تلك، ومواقفه العملية فيها؛ وهذا يعني أن الفرد ملزم بالمشاركة الاجتماعية، والمساواة فيها.
ويعتبر دور المنظمات رائدا في معالجة بعض القضايا ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، وأصبح هذا الدور يضع خططا و برامج تنموية واضحة، أصبح الاختيار معها الآن رغبة ملحة وأكيدة من المجتمع ذاته على جميع الواجهات في إحداث التغيير والمشاركة في تحقيق التنمية؛
تتسم أبعاد العمل الجماعي والثقافي من داخل مكونات المجتمع المدني بأهمية بالغة في تنمية المجتمعات وتنمية قدرات الأفراد، على أساس أنه يمثل الفضاء الرحب لممارسة الولاء والانتماء للمجتمع، لأنه يمثل مجالا مهما لصقل مهارات الشباب و بناء قدراتهم بناء على استيعاب وفهم احتياجات المجتمع.
إن الشباب هو العنصر الأساسي في عملية البناء والمستقبل؛ إذن لابد من تفعيل دورهم في بناء المستقبل الذي تتحقق فيه القيم الإنسانية وتحقيق الذات التي هي جوهر الديمقراطية؛ والاهتمام بالشباب هو مقياس المجتمع الفاعل؛ فالشباب هم الطاقة والإرادة والقوة، لذا يجب أن يكون على دراية ووعي بحقوقهم وحقوق المجتمع وواجباته...يتبع
بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية