أمة في رجل، كيف يتصور المرء، أن يكون شخصٍ ما بمثابة أمة كاملة؟
لو تصفحنا التاريخ سنجد عناوين في هذا الصدد، أن رَجُل يعادل كذا ألف رجل.. يذكر لنا ارباب التاريخ قصص كثيرة؛ فكان عنترة يتميز بالقوة الجسدية، وحاتم الطائي الذي عرف عنه بالكرم، كرمه كان مضرب للمثل في زمانه، التكلم عن الشجاعة يتبادر إلى الاذهان علي إبن إبي طالب (عليه وآله أفضل الصلوات)، الذي كان يلقب من قِبل اعداءه بالقطم، اي برز اليكم من يقطف ارواحكم، العباس إبن علي (عليه السلام)، حين رام جلب الماء لخيام أخيه الحسين (عليه السلام)، كان يحرس المشرعة قوة تعدادها بالألآف، وحين سمعوا بقدوم العباس هرعوا من شدة الخوف، كيف لرجل ان يرعب قوة كبيرة؟ يدل ذلك انه يحمل عزيمة وشجاعة وأستبسال أمة كاملة، لهذا يعد بأنه يمثل أمة كاملة.
كثيرة عمليات التصفية التي تمارسها و ترتكبها التنظيمات الإرهابية، وأرباب الجريمة المنظمة و الأنظمة الدكتاتورية، تجاه كل من يخالف توجهاتها ويتصدى لتصحيح المسار المنحرف وإفشال مخططات الأنظمة الفاسدة.
يعد نظام البعث الصدامي من أشد الأنظمة فتكاً وقسوةً، مارس القمع و الظُلم و القهر تجاه ابناءه في الحقبة الماضية، منذ أواسط القرن العشرين الى مطلع قرن الحادي والعشرين، المجزرة تلو الأخرى ترتكب بحق الشعب المظلوم، و في طليعة من استهدفتهم ماكنة القمع؛ الحوزة العلمية والحركات الإسلامية، وغير الإسلامية لم تنجو من الملاحقة.
سيرة النُبلاء والعُظماء ومن سار بركبهم، نالوا هذه المرتبة الرفيعة لحملهم أهآت شعوبهم بتصديهم للأنظمة الدكتاتورية، لعلمهم المسبق ان ثمن التصدي دمائهم وسبي عوائلهم، كما فُعل ذلك بعائلة الحُسين سبط النبي (صلى الله عليه وآله).
آية الله المجاهد محمدباقر الحكيم، منذ نعومة أظفاره كان رافضاً لمظاهر التيارات المنحرفة الإجتماعية منها والسياسية، كان صوتاً يصدح بالحق، مطالباً بحقوق المستضعفين، التي صُدرت من قِبل ازلام النظام، أستخدم الكلمة من على المنابر في مقارعة النظام، ما جعله رقماً صعباً لنظام البعث، اعتقل مرات عديدة واودع في السجن لنشاطه الديني والسياسي المعارض لتوجهات البعث، في فترة تواجده في العراق، وعمليات الاغتيال المتكررة التي كانت تستهدفه في داخل العراق وخارجه.. حمله لتطلعات شعبه المظلوم والمطالبة بحقوقه المشروعة، دفع النظام في تضيق الخناق عليه، مما دعاه الى الخروج خارج بلاده ليكمل ما بدء به، مستخدماً ادوات الكِفاح الكلمة والسلاح معاً في أسقاط النظام.. لعبت الكلمة دورها في المحافل الدولية لبيان طغيان واجرام النظام بحق العراقيين، مما أدى إلى عزلة تامة سيما بعد غزوه لدولة الكويت، وأخذ السلاح دوره في ضرب مضاجع النظام في عقر داره ليسلب منه طعم الامان الذي كان يذيقه للأسرة العراقية.
رفع الشهيد الحكيم شعار جده الإمام الحُسين "هيهات منا الذلة"، فما كان الا ان اقدم جلاوزة البعث بشن حملات الاعتقالات والاعدامات لاسرته الكريمة وما ان رفض الحكيم مطلب البعث بالتوقف عن مناهضة صدام، وما ان انجلت غِبار سيارات الامن، خلفت ورائها ما يزيد عن 60 شهيد من اسرة آل الحكيم.. رغم تلك الدماء الغالية الطاهرة عليه وعلى كل غيور، لكنها لم تضعف من عزيمته و اصراره على اكمال مسيرته و الوصول الى الهدف المتمثل باسقاط حكم البعث الصدامي، عمل ما بوسعه في فضح النظام، رغم ما يتمتع البعث من ماكنة إعلامية ومادية، ووقوف دول المنطقة والإقليمية والعالم باسره في حرب الثمانينيات إلى جانب صدام، تمكن الشهيد الحكيم رغم ادواته البسيطة ان يعري النظام.
شهيد المحراب لم يكن يمثل ذاته الشخصية والأُسرية في حراكه، أنما كان يمثل مشروع وطن بكامله، لما له من حضور سياسي وأجتماعي وديني، العالم الذي لن ينقطع في ممارسة دوره العقائدي في تأليف الكُتب وألقاء المحاضرات، واجتماعياً متفقداً الاسر العراقية المهاجرة والمهجرة في تقديم الدعم لها قدر الممكن لتخفيف بعدهم عن وطنهم، وسياسياً كان سيد المعارضة وفارسها، مما دفع صدام ان يطلب من الحكيم وقف نشاطه للنظام، هذا يدل انه القوة الكبرى التي لايمكن لصدام مواجهتها، لما يتمتع به من ثقل لم يكن على صعيد واحد، بل على صعد عدة لا يمكن حصرها، كان يحمل مشروع دولة، يجمع فيها اطياف الشعب العراقي على جميع توجهاتهم السياسية والدينية، لهذا تم أستهدافه، ما يمثله من ضمانة عراقية وإسلامية كبرى، كما عبر عن ذلك امين عام حزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله، لذا كان يمثل العائق بوجه مخططات القوى المعادية للعراق الجديد ما بعد سقوط نظام صدام، وكذلك يعد العقبة في وجة قوات الاحتلال وحلفائهم، لهذا وجدوا ان مخططاتهم لن تكون في مأمن ما لم تتم تصفية السيد محمد باقر الحكيم من الساحة العراقية جسدياً و هذا ما حصل بالفعل، لهذا أغتياله يمثل أغتيال وطن بكامله.
لؤي الموسوي