حقوق الإنسان و التكافل الاجتماعي أية علاقة جزء 2

أحد, 10/11/2020 - 10:06

وهذا التفاوت المتوحش بين الشمال والجنوب، نجده متجسدا في داخل حضارات الجنوب-بين تخمة الترف وبين الفقر المدقع- ففي داخل الحضارة الإسلامية تتفاوت دخول الأفراد ما بين 165، 31 دولار و100 دولار فقط لا غير!

أمام هذا المشهد «المــــأساوي العبثي»، غير المسبوق في تاريخ الحضارات الإنسانية، والمنذر بتصاعد حدة ومخاطر الأزمات والمآسي- والذي تريد «العولمة» فرضه على الإنسانية بأسرها بتزايد الإلحاح على العقل المسلم كي يقدم مبادئ الإسلام الاجتمـــــاعية في العدل والتكافل والمساواة، فاسفة الإسلام في الأموال والثروات، طريقا متميزاً لإنقاذ عـالم الإسلام-أولاً-من هذا المأزق الرأسمـالـي المتوحش، ثم لترشيد النظام المالي والاجتماعي العالمي بهدى الإسلام.

عدالة الاستخلاف

إن مفتاح الفلسفة الإسلامية في الاجتماع والاقتصاد يبدأ بنظرية الاستخلاف فاللّـه سبحانه وتعالى هو الحق البارئ والراعي والمدبر للخلق ولقد شاء اللّـه أن يستخلف الإنسان-مطلق الإنسان،  وليس فقط «الفرد» أو «الطبقة» في عمران الأرض، وفي حيازة واستثمار الثروات والأموال والانتفاع بها، وذلك وفق بنود عقد وعهد الاستخلاف التي حددت الشريعة أصولها ومبادئها وقواعدها وتركت تفصيلاتها لفقه المعاملات. 

فعنــدما أراد اللّـه سبحانه وتعالـى خَلْق آدم عليه السلام، أنبأ ملائكته أنه سيتخذه في الأرض خليفة، يحمل أمانة العلم والاختيار والتكليف؛ نهوضا برسالة عمرانها وزينتها، فقال ﴿وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك، قال إني أعلم مالا تعلمون﴾ (البقرة: .30)

ولقد تميزت مكانة الإنسان في الكون، وعلاقته بالثروات والأموال. امتلاكاً واستثماراً وإنفاقاً-بفلسفة الإسلام في الاستخلاف فمكانة هذا الإنسان هي مكانة الخليفة، المفوض في عمارة الأرض، الحر المختار المكلف المسئول؛ لأن هذه هي الشروط الضرورية التي تلزم لنهوضه برسـالـة استعمار الأرض وأيضاً، فإن مكانة الخليفة تضع إطاراً ضابطاً على هذا التفويض والاختيار والحرية متمثلاً في بنود عقد وعهد الاستخلاف، أي الشريعة الإلهية التي تمثل معالم وضوابط وآفاق هذا الاستخلاف.

فهذا الإنسان المستخلف، ليس هو المجبر المهمش الذي ليس له من الأمر شيء وهو كذلك ليس سيد الكون، المكتفى بذاته والمستغنى باختياره عن رعاية وتدبير اللّـه الخالق والمستخلف لهذا الإنسان إنه سيد في هذا الكون، وليس سيد الكون وبعبارة الإمام محمد عبده (1265 – 1323 هـ/ 1849 – 1905م): «هو عبد للّـه وحده، وسيد لكل شئ بعده.»

وتفريعاً على هذا المعنى الكلي للاستخلاف، تميزت وتتميز الرؤية الإسلامية لنطاق حرية الإنسان  الخليفة  وعلاقته بالثروات والأموال  ومن ثم النظام الاجتماعي في الإسلام.

 فالإنسان في هذه الرؤية  خليفة ومستخلف، تحكم حرياته وعلاقاته بالثروات والأموال بنود عقد وعهد الاستخلاف في العدل والتكافل والمساواة التي تحقق التوازن بين الفرد والطبقة والأمة في التملك والاستثمار والإنفاق. 

إن المالك الحقيقي  مالك الرقبة-في الأموال والثروات هو خالقها ونفيضها في الطبيعة، اللّـه سبحانه وتعالى  وهو الذي سخرها كغيرها من قوى الطبيعة وكنوزها، ليرتفق بها الإنسان  ارتفاق تسخير  بمعنى الأخوة  لا ارتفاق سُخْرَة  بمعنى القهر  استعانة بها على أداء مهام الاستخلاف  عمارة هذه الأرض وتزينها.

وللإنسان في هذه الثروات والأموال ملكية المنفعة المجازية، ملكية الوظيفة الاجتماعية، التي تتيح له حـرية الاختصاص والاستثمار والتنمية والانتفاع المحكومة ببنود عقد وعهد الاستخلاف من المالك الحقيقي لهذا الإنسان في هذه الثروات والأموال.

وهذا المعنى لـــلاستخلاف في الأموال والثروات- كما هو شأن الـــوسطية الإســـــلامية- لا يجرد الإنسان من حق الملكية للثروات والأموال.

 وأيضا لا يرفع الضوابط عن حريته في التملك والتصرف،وإنما يقف بهذه الحرية عند «حرية الخليفة» المحكومة بإرادة وأوامر ونواهي المالك الحقيقي للأموال والثروات...يتبع

بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف