المَكارثّية : هي عملية توجيه الاتهامات بالتآمر والخيانة دون ادلة . ويُنسب ذلك إلى عُضو مَجلس الشيوخ الأمريكي جوزيف مَكارثي الذي كان رئيسا لإحدى اللجان الفرعية واتهَمَ عددا من موظفي الحكومة بأنهم يعملون لصالح الاتحاد السوفيتي . وتبين فيما بعد انها كانت غير صحيحة وعلى اثر ذلك أصدر المَجلس قرارا بتوجيه اللوم عليه عام 1954. يُستخدم هذا المُصطلح للتعبير عن الإرهاب المُوجة . كان أشهر من أتهمهُم ( 205 ) شخص ثم امتد الامر الى جميع قطاعات المجتمع وراح ضحيته أكثر من 200 ألف انسان تم الزج بهم في السجون فضلا عما يزيد على 10 آلاف طردوا من وظائفهم ونكل بهم وفق تُهم ملفقة كان منهم مارتن لوثر كينغ وألبرت أينشتاين وآرثر ميللر وتشارلى تشابلن . في البداية أيدها أغلب الأميركيين لأنهم خافوا من الخطر الشيوعي خاصة ان دعاية مكارثي صورت لهم إن الشيوعية دين يريد القضاء على المسيحية لكن فيما بعد قَلَّ تأييدهم لأكثر من سبب . ولكنني اعتقد ان مكارثي كان قارئا جيدا للتاريخ الفارسي لانهم اول من استخدم هذا الاسلوب فهم شيطنوا كل من عاداهم عبر التاريخ او وقف ضد تنفيذ مشاريعهم واتهموه بكل شيء واي شيء ممكن يخطر على بال البشر ولدينا الكثير من الامثلة على ذلك ومنها الصحابة رضي الله عنهم خصوصا من ساهم في نقلهم من العمى والظلال الى النور والايمان .
أدوات تحقيق الأهداف : أ : تضخيم الخطر وصناعة الخوف : إن التعاطي مع هذا الأسلوب يؤسس لثقافة الخوف وتعود أهداف هذه السياسة للتأثير على طريقة تعامل الأفراد مع بعضهم البعض ويعتبرونها متعمدة وذات أبعاد تاريخية . يقول نعوم شومسكي : إن صناعة الرعب لا تخرج عن نطاق الرغبة في السيطرة على المجتمع باستغلال مصادر المعلومات لتبرير سياسات داخلية وخارجية لتشتيت تفكير الناس عن قضايا ملحة كالفقر والبطالة والتلوث وانتشار الجريمة والفساد وثقافة الخوف التي لها عدة أدوات ووسائل منها :
1 . تلفيق الحقائق والوقائع .
2 . تزوير المعلومات ونشر الشائعات .
3 . تحويل حادث فردي وتصويره كأنه وباء اجتماعي
4 . وصم الأقليات أو فئات معينة في المجتمع بصفات غير محببة
5. احتضان العناصر التي ترفض مبادئ التسامح والعدالة والتغيير وتسهيل أحكام سيطرتها على السلطة التشريعية والمصالح الرئيسية والمؤسسات الحكومية بتشكيل لجان تحقيق لكبار المسئولين في الإدارة الحكومية المعارضين لسياستها لإزاحتهم .
6 . اعتماد أسلوب التشهير بالمعارضين من اجل تدمير حياة الكثير من المواطنين خصوصا في أجهزة الدولة التي يؤدي تدهور أداؤها إلى انحدار معنويات العاملين فيها ثم يمتد إلى حياة الناس .
ب : صناعة عُقدة الشك : يقول جيري مون في محاضرته ( الثقة والشك في الحياة السياسية ) انهما رديف للتسامح والمساواة التي تعتبر ضرورية للحياة لأنها تعطي الفرد الأمل وتجنبه القلق من تهمة عدم الولاء أو الخيانة . والانغماس فيه يعني التدقيق المكثف والمستمر في خلفية الغير وخصوصياته قبل الدخول معه في عُقَد اجتماعية ويُضيف : أن عقدة الشك مرتبطة بالشعور بالحرمان حين تتمتع مجموعة معينة بمزايا كثيرة تفوق استحقاقاتها فتشعر الفئة المنقوصة حقوقها بالتهميش لوجود معايير معينة يشجعها رجال السياسة لغرض الحصول على أتباع ومناصرين . من هنا تكون الثقة سهلة الكسر ويحفز فقدانها الدعوة لنيل المساواة والمطالبة بالحقوق . ويربط البروفسور مون بين الثقة والشفافية فهي تتعزز عندما تتضح الحقائق للرأي العام في حين يزداد الشك بالغموض وغياب الحقائق . ولولا الشفافية والمكاشفة وحرية التعبير لما انحسر زيف المكارثية . ورغم انحسارها في بلد منشئها إلا إن المحافظين الجدد عملوا على تصديرها إلى دول أخرى مستغلين الفراغ السياسي وفجوات الاختلاف ونزعة التطرف وغياب التسامح لدى البعض ليجعلوا الجار يغزو جاره لتنفيذ مخططات التقسيم . وجندوا مراكز البحوث التي يحلو للبعض منا تقليدها بابتذال وسذاجة .
إن المكارثية تطل علينا برأسها بين فئة وأخرى في كثير من بقاع العالم . من خلال نشر البلبلة والفوضى وثقافة الخوف وتمزيق نسيج المُجتمع . وفي مجتمعاتنا دخلت أفكارها ومُمارساتها ولكن بشكل جديد فنراها تستحضر الجانب السلبي من تاريخنا وتُضَخم أخطارا من هنا وهناك وتخرج لنا بتوصيفات جديدة وتنشر أفكار ومقولات أعداء الأمة على رغم ادعائها مُحاربتها وتدعو الله أن تنشب حربا في منطقتنا مُتقمصة بذلك روح شمشون الجبار وتتاجر بتقارير تسميها استراتيجية وذلك في هلوسة فاقت أفكار وممارسات غلاتها الأوائل . هلك مكارثي وتخلى عنهُ حلفاؤه ومعاونوه بعد أن استنفذ أغراضه . إلا أن عناصر جديدة في كل بقاع الأرض مازالت تَحمل روحهُ الشريرة وتَحوم حَولنا وتُساعد على تَمزيق أواصرنا وتمكنه من مُستقبلنا وحاضرنا .
محمود الجاف