ألبغاء يعني ألإتصال جنسيا بينَ ألرَجل وألمَرأة مُقابل ألمال . ويُعتقد إنهُ أقدم تجارة في ألعالم . كانت مُمارسته دائمًا مُثيرة للجدل لأنهُ نشاط مُخالف للمعايير ألدينية والأخلاقية وسببا مُباشرا في ألكثير من ألجرائم وهذه ألمهنة مُرتبطة بألمافيا ألدولية ألتي تُشارك في ألإتجار بألنساء حاليا ...
يعرف ألأخوات وألأخوة ألقُراء إنني لا أميل إلى كتابة مثل هذه ألمواضيع رغم وجوب توثيق كل ألمواقف ألتي عاصرناها لأنهُ تأريخا مُهما جدا أيا كان صانعهُ ولهذا لابد من نقله بدقة ومنهُ موقف هذه ألسيدة التي سأرمز لها ب (أم قرار) التي كنت أبغضها جدا وأذيتها لأن ألمرأة عندي لها قيمة عظيمة طالما كانت تلبس على رأسها تاج ألعفة وألوقار وتُؤدي دورها ألذي خلقها الله من أجله وعندما تخلعهُ تصبحُ نكرة تماما لا أكاد أراها ولكن يبدو إن لهذه الفئة من ألناس مواقف كثيرة وقد علمتني درسا جديدا هو إن ألوطنية لا علاقة لها بألسلوك ألأخلاقي وكلنا نعرف قصة (حسنة ملص ) ألتي أشتهرت في الأربعينيات وبسببها كان ألمذيع المصري ( أحمد سعيد ) يُندد بحكومة ألزعيم وهو يُردد بالنص ( إذا ماتت حسنة ملص فكلنا حسنة ملص ) ! .
في عام 1938 فاض نهر دجلة وكُسرت سدة ناظم باشا من جهة ألوزيرية وأخذت ألمياه تتدفق إلى ألشوارع فإتصل مدير شرطة بغداد هاتفيا بعدنان مُحيي ألدين معاون شرطة ألسراي وطلب منهُ تعبئة ألناس فورا لوقف ذلك . كان الوقت قد تجاوز مُنتصف الليل وخلت الشوارع من ألمارَّة . فمن أين يأتي بألسُخرة ؟ لكنهُ وجد ألحل عندما قادهُ ذهنهُ إلى منطقة واحدة ما زالت تعجُ بألناس وألنشاط فيها على قدم وساق وهي محلة ألكلجية . فاقتاد ثُلة من أفراد ألشرطة وهرع إلى أزقتها وجمع العاهرات وزبائنهنَّ وحشرهُم في ألسيارات وأسرع بهم إلى محلة ألكسرة وهناك إنكب ألشباب على حفر ألأرض وملء ألأكياس بالتراب وهنَّ يحملنَّها على ظهورهنَّ لردمها وبقينَّ يعملنَّ حتى آذان الفجر . أسهمنَّ حقا في إنقاذ ألعاصمة من ألغرق ولولاهن لإجتاحت مياه ألفيضان ألمدارس وألمساجد وألبيوت . وبعد صلاة ألفجر أعادوهم كلٌ إلى بيته . وفي أليوم ألتالي بعث أمين ألعاصمة رسالة شكر وتقدير لكل القحاب وألقَوادين ألذين ساهموا بألعمل ألشعبي لدرء ألفيضان .
بعد إحتلال بغداد في 2003 كنت أجلس في مكان ما بصمت وفي داخلي خليط رهيب من ألحزن وألألم وألصدمة وألأسى وألأسف وألعجز ألذي كان يُمزقُ روحي فقد كنت أرى كل شيء ينهار وأحلامنا تضيع وحياتنا تنتهي وإذا ( بأم قرار ) ألتي كنا نحتقرها لأننا نعتقد إنها قوادة حسب تفسيرنا في حينها تأتي من بعيد وهي تبكي بحرقة وألم وتنوح وأمسكت بحاجة كان يحملها ولدها من الفرهود ورمتها وقالت لايدخل بيتي حرام ؟ نعم سمعتها باذني تقول ( لايدخل بيتي حرام ) ثم توجهت إلي مُباشرة من دون ألناس ألذين كانوا حولي وسألتني هل أنزل صورة ألرئيس ؟ فأجبتها نعم ... رحلت وهي تئنُ بصوت مُرتفع وصراخ ينمُ عن ألمٍ شديد وحقيقي ... ألقوادة كانت تنوح وتبكي بحرقة على بلدها لأنها يبدوا عرفت انهُ سينتهي وشعبها سيُذبح وتُسرق ثرواته ويُدمر فيه كل شيء .
في ألحقيقة موقفها أصابني بألذهول لأنني لم أكن أتوقع إن هذه ألفئة من ألناس لديهم هذا ألعُمق من ألإخلاص وحُب ألأرض . لأننا كنا نتصور إن من يمنح جسده للأخرين أو يتخذ من هذا العمل مهنة لايبقى لديه أية قيم دينية أو إنسانية ... وبدأت عمليات ألمقاومة والكل يجري ليسجل ألملاحم وألبطولات . وهي منهُم . كل ألشعب . سُنة وشيعة . عربا وأكرادا . صابئة ونصارى . وتركمان . أعرف أسمائهم ولا أنساهُم ما حَييت . ثم دخلت غربان ألشر ألتي كان يجب على فحول أللغة أن يجدوا مُصطلحا يليق بمواقفهم وسلوكهم لأنني تأكدتُ إنها أشرف منهُم بكثير . ظلمتها أنا للأسف ألشديد .
أعتذر منك يا أمُ قرار وأرجو من ألاجيال ألتي ستأتي بعدنا ألا تنزع من ساكني ألكلجية صفة ألإخلاص وألوطنية ولاتخدعهم ألملابس ألراقية أو ألعجلات ألفارهة أو حتى أزياء بعض رجال ألدين وألأفندية فقد تكون ألعاهرة ألتي يحتقرونها أكثر نُبلا وإنسانية وطهرا منهُم ومعرفة للحلال وألحرام وإلا سيقعون في نفس ألخطأ ألذي وقعت فيه ...
ملاحظة : أرجو من ألأشخاص ألذين إطلعوا على هذه ألحادثة عدم ذكر إسم ألسيدة ألحقيقي وعنوانها إكراما لها ألآن وإن بقينا أحياء سيأخذُ كل ذي حقٍ حقهُ ونتناقل أسماء أصحاب ألمواقف ألخالدة ومنها موضوعة البحث ...
بقلم : محمود ألجاف