النفاق الديني أخطر من النفاق الاجتماعي

أربعاء, 04/14/2021 - 09:47

لقد بات الدين محددا شاملا للعديد من الأمور في مجتمعنا، ورغم أن الدين ليس أكثر من أسلوب في الحياة بالنسبة لمعتقديه، وبمثابة علاقة بين الإنسان وربه، إلا أن المسألة الدينية صارت مليئة بالتناقضات، ليس فقط بسبب الجهل بالدين، بل إن أغلب المعتقدين ورثوا هذا الدين عن آبائهم، وترسخ فيهم حتى أضحى بمثابة إطار رسمي لهم، فباتت مسألة الدفاع عن معتقد الأجداد نابعة عن عاطفة غامضة وجهل بمضامين الدين، والأغرب بل الأسوأ من ذلك أن هؤلاء المتدينون لا ينفذون أوامر دينهم كما ينبغي، ومعظمهم متدين بالاسم فقط، فلاهم يمارسون الدين كما جاء فيه، ولا هم يصارحون أنفسهم بعدم قدرتهم على اتباع هذا الدين، نظرا لصعوبة الأمر، ورغم أن الله لا يحتاج لمن يدافع عنه، إلا أن هؤلاء المتدينون مستعدون للدفاع عنه والجهاد في سبيله، لأنهم يستشعرون بطريقة غير مباشرة أنهم خلفاء الله في الأرض.

 

إذا كان الدين بمثابة أسلوب في الحياة بالنسبة لمن يعتقد ذلك، فالأجدر أن يتم اتباعه بالحرف، وليس عن طريق ممارسة ما يناسب المزاج فقط، وترك الباقي للغفران، المسألة الدينية واضحة وصارمة في عموميتها، ولهذا يبدو من العار أن يعتقد معتقد بدين معين، ولا يمثل فيه إلا الاسم، أما الطقوس والأوامر والنواهي فبات أمرها مرتبط بالمزاج، لم يكن الأمر ليصل إلى هذا الحد لولا وجود ثغرة ما، وقد تكون هذه الثغرة في الدين نفسه، كما يمكن أن تكون في الأفراد الذين لم يختاروا هذا الدين عن قناعة واقتناع، بل كل ما في الأمر أن الدين في مجتمعاتنا يندرج في إطار التقاليد والعادات الموروثة.

إذا كان الدين الذي يحدد مجتمعنا مرتبط بالسلوك والمعاملات قبل العبادات، فإن الواقع ليس كذلك، ذلك أن سلوكات معظم الأفراد لا تسير في المنوال الذي تم التعارف عليه دينيا، حيث يتضح من خلال الواقع أن السلوكات التي تحكم الأفراد بعيدة كل البعد عن نطاق الاحترام وتقبل الاختلاف وتقدير الاخرين، أما المعاملات التي تحدد هذا الجانب من العلاقات بين الأفراد، فالمصلحة هي التي تحكمها، ولا يتم في هذه العلاقات ممارسة ما جاء في الدين إلا في بعض الأحيان وعند الضرورة، ولا يتم التعامل بين الناس بشكل مقبول، بل أساس هذه المعاملات مبني على النفاق، فهم يظهرون وجها ويخبئون وجههم الحقيقي، ومن المؤسف أن يصل الأمر إلى حد التلاعب بالسلوكات والمعاملات، لأن المسألة الدينية في هذا الأمر حاسمة، ولا مجال للحديث إلا عن النفاق الذي تتأسس عليه عديد الأمور في مجتمعنا.

 

لعل الدين الذي يحكم مجتمعنا يحدد الإيمان به عن طريق حب الخير للآخرين بنفس القدر الذي نحبه لأنفسنا، ويبدو أن هذا الأمر شبه غائب في مجتمعنا، لأنه من خلال الواقع يبدو مستبعدا أن هناك من الأفراد من يحبون الخير للآخرين، إذ من الناذر وجود شخص يحب الخير للناس كما يحبه لنفسه، بل إن الأنانية باتت تحدد كل شيء في هذا الإطار، فأصبح حب الخير غائبا تماما، فلم يعد الناس يكترثون إلا لمصلحتهم، ومن أجلها يمكن أن يظهروا محبتهم للخير وإتيانهم له، رغم أنهم في الأصل لا يفعلون ذلك حبا في الخير، وهذا هو الأساس الذي كان مفترضا أن يكون، فحب الخير يجب أن يكون من أجل ذاته، لكن الواقع يعكس الأمر، فأصبح حب الخير في مجتمعنا مشروط بمصلحة ما مع الأسف.

 

لعل الطمع والجشع الذي يحكم الناس تجاوز كل الحدود، فلم يعد الأمر منحصرا في مطامع الحياة وملذاتها، بل تم تجاوز الأمر إلى ما بعد الموت، ولأنهم يؤمنون بالجنة، فلاشك أنهم يطمعون فيها، ويبدو ممكنا أن يكون اعتقادهم بدين أبائهم نابع من طمعهم في الجنة، وليس مبنيا على قناعة تامة، حتى أن حبهم لله مشروط بخوفهم منه وبطمعهم في الجنة، وكان جديرا أن يحبوا الله بدون شروط وبدون حوافز، لكن الأمر لم يعد كذلك في مجتمعنا، فأغلب الأفراد يخافون الله وفي نفس الوقت لا يفعلون ما أمرهم، ثم إن فعلوا ذلك، وإن قاموا بخير ما، فإنهم يفعلون الأمر طمعا في الجنة وخوفا من العذاب، وهنا التناقض الذي يتأسس عليه مجتمعنا، وهو التناقض المبني على النفاق، إذ أن أغلب المسائل في مجتمعنا محكومة بالنفاق، كما يمكن القول إن معظم البشر في مجتمعنا منافقون من الدرجة الأولى.

إن ما جعلني أحاول النبش في هذا الموضوع الخطير، هو أن النفاق يعشش في مجتمعنا إلى درجة لا بأس بها، ويتجلى هذا النفاق بدرجة كبيرة في المسألة الدينية، إذ يبدو غريبا أن نكون وسط مجتمع يدّعي التدين، ويعتقد بأنه يملك أفضل الأديان وآخرها، وفي نفس الوقت لا يمارس الأفراد هذا الدين إلا حسب المزاج وحسب الرغبة وعند الإلزام، كما أن الدين عند هؤلاء يتأسس على العبادات بالدرجة الأولى، وكان من الحكمة أن يشمل الأمر جانب المعاملات أيضا، لكن هذا الجانب لا يسير كما ينبغي، بل إن الأمر بات سلبيا في مجمله، فلم يعد الدين أسلوبا في الحياة بالنسبة للأفراد، ليس لأنهم لا يعترفون به، بل لأنهم لا يمارسون ما جاء فيه إلا من أجل سبب ما.

 

وهنا ارتبط الدين بالمظاهر، فباتت المسألة الدينية منحصرة على ما يظهره الأفراد من التزامهم بالدين، وكل ذلك يفعلونه من أجل مصالحهم، وفي هذه النقطة التي وصلت فيها الأمور إلى الحد الذي لم يعد فيه الدين يسير بعكس ما كان يهدف إليه، فإنه ينبغي إعادة النظر فيه، من أجل استكشاف الخلل، فقد يكون الدين سببا، في ما وصلت إليه الأمور، وقد يكون التطور الذي وصل إليه الوعي الإنساني سببا في النفور من الدين من جهة، ومن جهة أخرى انتشار الثقافات التي تسير بعكس ما جاء في الدين، وهنا الجانب الذي يوضح النفاق بشكل بشع، إذ أن الأفراد في مجتمعنا يرغبون في مسايرة الثقافات المتطورة مع التشبث بالدين، فلا هم سايروا هذه الثقافات باعتبارها تفرض تحررا عميقا من كل الإيديولوجيات، ولا هم مارسوا تدينهم كما ينبغي، لأن الخلط بين الأمرين ليس في مصلحة أي منهما، فالدين يرفض بالقطع ما تدعوا إليه هذه الثقافات، وهذه الأخيرة لا تؤمن بكل ما جاء به الدين.

بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية.  

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف