لم تخرج التظاهرات الا لأجل الاصلاح، وتغيير الوضع الراهن في العراق، وانتشاله من بؤرة الفساد، الذي اسس له كثير من السياسيين، لجعله بلداً ذا سيادة حقيقية على مقدراته وقراراته المصيرية, قادراً على حماية حقوق ابنائه, وبسط سلطة القانون, واضعاف النفوذ الخارجي او انهائه داخل الدولة العراقية, فكان تغيير الحكومة واقامة انتخابات برلمانية مبكرة من اهم مطالب المتظاهرين السلميين.
الغريب في الامر ان اصوات السياسيين معهم وداعمة لهم, وكانت عالية الى حدٍ كبير في دعم مطالبهم في التغيير, علماً ان كثيرا منهم متهم بالفساد، وبعظها شاركت بقمع التظاهرات، رغم انهم بداية اعتبروها ثورة ضد الفساد والفاسدين، لكن واقع الحال يقول انهم اس الفساد واساسة.
من كان يبكي على البلاد، ويقذف بالاتهامات على الآخرين شرقاً وغرباً، ويصرخ بأعلى صوته ضد الحكومة ويتهمها بالفشل نهاراً، كان يتآمر عليهم في جنح الظلام ليلاً, يدعو الى تغيير الحكومة صباحاً، ويتقاسم الوزارات والمناصب العلياً مساءً.. كذبة ومارقون يركبون كل موجٍ قادم صوبهم, يعزفون للفقير على وتر الاصلاح, ويرقصون على جراحاته بالحان الفساد, يبكون على البلاد ويضحكون بوجه السراق, يحرسون مع الراعي، ويأكلون مع الذئب, مصالحهم ومصالح احزابهم فوق كل شيء، وآخر ما يفكرون به هو المواطن الذي بقي اسيراً لكذبهم واحتيالهم.
لا يحتاج الى السؤال عن أولئك، فقط تابع تصريحاتهم، ستجدهم يتهمون الجميع بالفساد وينزهون انفسهم, يصفون الكل بالخيانة، ويتهمونهم بالشيطنة ويجعلون من انفسهم ملائكة, افعالهم خير شاهد على خيانتهم, فقولهم بتزوير الانتخابات مسبقاً ما هو الا مشروع قد اسسوا جذوره مسبقا، ليكون بوابة للفساد في الانتخابات القادمة، فدعوتهم للتأجيل ما هي الا لعدم اكتمال ادوات مشروعهم.
كانوا من المطالبين بإسقاط الحكومة واستبدالها، ويدعون لانتخابات مبكرة، اذاً ما الداعي لتأجيل الانتخابات؟!
الحكومة صرحت بان لديها الامكانيات المالية واللوجستية، والقدرة الامنية على ادارة العملية الانتخابية، اذاً ماسبب الدعوات للتأجيل السرية؟ وما الحاجة للاجتماعات خلف الكواليس لذلك؟
من يمتلك الشجاعة الكافية، عليه ان يخرج في الاعلام، امام الشارع العراقي ويطرح اسباب ومبررات دعواته لتأجيل الانتخابات، ويقنع الشارع بذلك، ولا يختبئ كالثعالب ليغدر بفريسته.
ما جلبتموه للعراق يكفي، فلقد رميتموه في وادٍ عميق، في ليلةً ظلماء لا نور فيها يهتدى به، جعلتم المواطن لا يشعر بوطنية, ولا يتأثر لما يجري لبلده, اكلتموه لحماً ورميتموه عظماً.
يكفي اتهامكم لبعضكم البعض، من يريد ان يصلح حال البلد فليتنافس تنافساً شريفاً، ويثقف الناس على الانتخابات والاختيارات الصحيحة، ويترك لغة التخوين والاحباط الموجه للشارع العراقي، من اجل نبذه الانتخابات وعدم مشاركته بها لتستفردوا بها لوحدكم.
اطرحوا مشاريعكم الانتخابية للمواطن، وثقفوهم عليها، ادعوا الناخبين لاختيارهم الاصلح وليس الافسد، وضحوا للناس ما هو المشروع الانتخابي، وايهما الناجح الممكن تطبيقه، فالمشاريع الانتخابية الناجحة هي من تؤسس للدولة, والقادرة على وئد الفساد والاصلاح، اتركوا العزف على اوتار الطائفية والقومية والحزبية، وأسسوا لدولة الوطن والمواطنة، كونوا قوى دولة واتركوا منهج اللادولة الذي يبني الاحزاب والعصابات ويهدم كيان الدولة.
العراق ان لم ينهض به اهله فلا يرجى من سياسيي الصدفة ان ينهضوا به، والذي ما زال يجهل العمل الحزبي، ولا يميز بين الحكومة والبرلمان، ولا يفرق بين القوانين والقرارات، لا يمكنه ان يبني وطن.
هذا النموذج من القادة والساسة لا يمكنه ان يبني وطنا، لأنه لا يزال عاجزاً عن بناء نفسه وحزبه، اسماء كبيرة وعريضة من القيادات لا تستطيع انشاء جملة صحيحة، كيف لها ان تصحح مسار الدولة وتقوم العملية السياسية، العراق يحتاج الى رجال دولة ولا يحتاج الى زعماء صوامع ومماليك.
رضوان ناصر العسكري