الذرائع الذي أوجدتها الولايات المتحدة، لتشن الحرب على العراق، وتضع أسساً للنظام الديمقراطي فيه، الذي كلفها مليارات الدولارات، كان بمباركة الشركات الكبرى، التي تقاسمت بترولهُ وخيراته أو هكذا تخطط، فلا تتوقع أن مجموعة من الأصوات أو الهتافات، تستطيع أن تسقطهُ.. فكل الشعارات ما هي إلا "وقع إبرة في سوق النحاسين".
بعد تأسيس النظام، لم تفقه الطبقة الحاكمة التي سيطرت على مقدرات الشعب، منذ عام ٢٠٠٣، سوى منطق (السلب والنهب) لكل أموال الدولة وممتلكاتها.. لم يتركوا للمواطن سوى الفقر والفاقة، كل ذلك أدى إلى غليان شعبي في الداخل العراقي، أنتج أحتجاجات عارمة أجتاحت مدن الوسط والجنوب الشيعي في تشرين 2019، وكانت تعبر عن الغضب والسخط الإجتماعي تجاه فساد الساسة، لكن بسبب غياب بوصلة القيادة عن هذه التظاهرات، أصبح من السهل أختراقها من أصحاب الأجندات، فتوغلوا فيها ليحرفوا مسارها من السلمية إلى الحرق والنهب والقتل حتى، وترهيب السلم المجتمعي، مما جعل التعاطف معهم يقل شيئا فشيئا..
وختام ذلك كان "القشة التي قسمت ظهر البعير" وتمثلت بالشعار الذي رفعوه بأنهم يريدون إسقاط النظام.. وهذا ما لا ترتضيه الدولة العميقة الكبرى، التي تدير الشأن العالمي، فعندها صار لابد من إنهاء تلك الإحتجاجات، لأنها وبدون أن تعلم قد حققت الهدف الذي تريده أحزاب السلاح وأيادي الغدر الخارجية، لذلك كان القضاء عليها، وقتل روح الثورة داخل الشباب المنتفض، قرار لا رجعة فيه، بإيقاف التمويل وإسكات محرضي الرأي العام..
الحقيقة أنه رغم ما شاب تشرين من عنف ومظاهر دامية لاسلمية، مفتعلة من قبل أيدي خارجية، إلا أنها حققت أهم ثلاث أهداف، لم يحققها البرلمان ولا صمت المواطن طيلة الفترة السابقة.. أولها تغيير قانون الإنتخابات، من سانت ليغو إلى الدوائر الانتخابية المتوسطة، مما سيساهم في القضاء على سطوة التلاعب بالنتائج، وثانياً الترشيح الفردي الذي لا يجبر المواطن على إنتخاب الأحزاب فقط، وأخيراً أنها ضمنت أن تكون الإنتخابات تحت إشراف أممي وبالآلاف، وهذا ما يضمن نسبة عالية من النزاهة لعملية الإقتراع، والأهم من ذلك أنها أجبرت البرلمان على إلغاء تصويت الخارج، الذي كان يصب في خانة أحزاب اللادولة.. وفصائلها المنفلته التي تتستر بغطاء قوى الأمن، رغم أن ولائها وأوامرها من خارج الحدود!
لم يعد أمام المواطن العراقي الآن، سوى طريقان في مشوار الإنتخابات.. أحدهما الأختيار بين خانة اللادولة، التي حكمت ثمانية عشر عام بسلاحها المنفلت، وأجندات أغتيالاتها التابعة لدول الجوار، التي عاثت فساداً في الكهرباء والصحة، وبين قوى الدولة التي حاولت على مدار الحكم الديمقراطي، أن تكون البوصلة الدبلوماسية، في تقريب وجهات النظر المختلفة، وأن تجعل العراق ساحة أستثمار بدل أن يكون حلبة صراع.. لكن الكثرة والسلاح، تغلب أحيانا الشجاعة والعقل..
الطريق الآخر لخروج وطننا من عش الدبابير، ومغادرة المشاكل ورؤس الصواريخ، التي لم تجلب سوى الدماء، هو عن طريق المشاركة الكبيرة في العرس الإنتخابي، والتصويت للأشخاص الذين لم تتلطخ أيديهم بالفساد والدمار، ومقاطعة قوى السلاح الطائش، الذين لا يعترفون سوى بالموجه الخارجي..
محمد جواد الميالي