بعد ان طرحنا في مقالنا ( هل الشيوعية ممكنة في العراق؟)، يُطرح سؤال؛ ما هي مهمات الشيوعين؟، كي تتحول الشيوعية إلى واحد من البدائل المادية والواقعية أمام خيارات الجماهير، بحيث تزيح البدائل السياسية القومية والاسلامية التي ابتلت جماهير العراق بها منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة.
لقد عُرف عن الشيوعيين دائما في اوساط عديدة في المجتمع بانهم طيبون، مثقفون، واعون..، ولكن لم يشر اليهم في اي يوم من الأيام بأنهم قادرون على إدارة دفة المجتمع، لهم الامكانية بإزاحة القوى الاسلامية والقومية التي تدفع دوما المجتمع الى الخراب والدمار والحروب والفساد، عٌرف عن الشيوعيين وفي افضل الاحوال يشاركون هنا وهناك في الاحتجاجات والتظاهرات والاكتفاء بعدم تجاوز دائرة إبداء المواقف السياسية تجاه الأحداث المختلفة. وقد قَبَلَ الشيوعيون هذا الحكم عليهم من قبل المجتمع وتحولت مجالسهم الى نوادي اجتماعية للمناقشات، حتى أكثر مما هي نوادي سياسية وليس صف من البشر المناضلين يضعون كل طروحاتهم الفكرية والسياسية والاجتماعية في إطار بديل ثوري، واسهل الطرق يمكن للمجتمع أن يسلكها إذا أراد الامن والامان وإنهاء فصول من العنف والفقر والتمييز وكل إشكال الظلم. ما نتحدث عنه كما علمنا منصور حكمت، هي شيوعية ماركس، شيوعية تحرر المجتمع الذي هو مرهون بتحرر الطبقة العاملة، شيوعية انهاء العمل المأجور وعبودية رأس المال.
أن إحدى المهمات الحيوية للشيوعيين اليوم في العراق هي اعادة الارادة الثورية للطبقة العاملة. ان هذه الارادة مرتبطة بتقوية التيار الاشتراكي والفكر الاشتراكي والبديل الاشتراكي في صفوف الطبقة العاملة. فالطبقة العاملة بالرغم من تاريخها النضالي العظيم في العراق، الا انها اليوم ولأسباب موضوعية وتأريخية تحدثنا عنها في مناسبات سابقة تقف في الخندق الدفاعي، وهناك هجمة شرسة وكبيرة عليها من قبل البرجوازية المتمثلة بالطبقة السياسية الحاكمة على معيشتها وفرض شروط عمل وحياتية قاسية عليها. وكما نعرف ان البرجوازية بقيادة الكاظمي شرعت بتلك الهجمة من خلال ورقته البيضاء ودشنها بتخفيض سعر العملة المحلية التي زادت من تفاقم القدرة الشرائية للطبقة العاملة والموظفين وعموم محرومي المجتمع. هذا ناهيك عن وجود خطة ممنهجة لإفقار الطبقة العاملة عبر وسائل عديدة من اجل ادامة عمليات السلب والنهب والفساد لصالح الطبقة الحاكمة، كما جاءت في موازنة ٢٠٢١. لقد سعت التيارات البرجوازية القومية والاسلامية بإلحاق الهزيمة بكل الوسائل بانتفاضة أكتوبر والحفاظ على روح عدم المبادرة الثورية للجماهير بنسف أسس سلطتها الظالمة. اضافة الى الحفاظ على الأوضاع الاقتصادية القائمة وتمرير كل مشاريع المؤسسات المالية العالمية التي من جهة هي مساعي الامبريالية العالمية في ربط العراق بسوق الرأسمالية العالمية وادامتها كمصدر لتزويده بالطاقة للحيلولة دون انفلات أسعارها كي تأمن ديمومة اقتصادها، ومن جهة أخرى رمي فتات من ارباحها الى البرجوازية المحلية الحاكمة التي تمثلها حثالتها السياسية وهي الأحزاب الإسلامية من اجل لجم جماح الطبقة العاملة عبر انتزاع قسما من فائض قيمتها التي تعود القسم الأكبر منها للإمبريالية العالمية.
أن إضعاف الإرادة الثورية اذا لم نقل سحقها وثلم نصل نضالها لدى الجماهير العمالية وعموم الطبقات الكادحة، كانت دائما هي احدى المساعي الحثيثة للإمبريالية العالمية والبرجوازية المحلية، وقد عشنا فصولها عندما هب نسيم الثورتين المصرية والتونسية على المنطقة، فقد قايضت جماهير المنطقة اما الفوضى الامنية والحروب الاهلية وفتح الاقفاص للوحوش والعصابات الاسلامية او الامن والامان في ظل القمع والاستبداد وانعدام الحريات والفقر والعوز مثلما نراها اليوم في العراق وليبيا وسورية واليمن ولبنان. لقد كانت تلك السياسة تصب في سلب الإرادة الثورية للجماهير. ان اشاعة اللا جدوى واللا أمل هي سياسة ممنهجة في عقيدة البرجوازية للحيلولة دون الوقوف بوجهها. وهذا ما نراه اليوم بعد الانتفاضة. ان إحدى المهمات الملقاة على عاتق الشيوعيين هي إشاعة الامل عبر اشاعة الفكر الاشتراكي في صفوف الطبقة العاملة وفي صفوف الطبقات الكادحة. إن الدعاية الاشتراكية والشرح بإسهاب عبر إصدار الصحف العمالية والكراريس وتأسيس شبكات اعلامية على تواصل الاجتماعي حول المعضلات التي يواجهها العمال ونضالاتهم اليومية وربطها بالنضال الاشتراكي هو مهمة عاجلة بالنسبة للشيوعيين.
أما المهمة الاخرى بالنسبة للشيوعيين هي ادراك اهمية التنظيم، ومن ثم التنظيم و ثم التنظيم. ان التيار الوحيد الذي كان يمثل الاغلبية المطلقة للجماهير التي شاركت في الانتفاضة وهم الملايين العاطلين عن العمل والأجور والعقود والنساء التواقات للتحرر وكل المثقفين الثوريين والتحررين والعلمانيين الذين ولجوا الساحات من اجل انهاء الفصول الطائفية الدموية والتمييز الديني وإطلاق الحريات وحقوق الانسان، هذا التيار لم يكن منظما وأكثر من ذلك كانت النزعة ضد التنظيم هي الظاهرة التي لازمته بينما التيارات الاسلامية والقومية كانت منظمة بشكل حرفي سواء على شكل نقابات مثل المعلمين التابعة لجناح العبادي والمحامين ذات النزعة القومية او على شكل مجموعات مسلحة مثل القبعات الزرق. إن الدرس الذي تعلمه هذا التيار الاجتماعي غير المنظم هو التنظيم. وهذا يقودنا الى اي من الفئات الاجتماعية على الشيوعيين تنظيمهم؟. تنظيم الاقسام التحررية في المجتمع وحول مطالبها المختلفة، اينما وجدوا وسنحت لهم الفرصة. على الشيوعيين اشاعة كل اشكال التنظيم داخل العمال وتنظيم صفوفهم لتحسين شروط عملهم وحياتهم، تنظيم العاطلين عن العمل حول شعار ٠فرصة عمل او ضمان بطالة)، تنظيم عمال العقود والاجور في القطاعات المختلفة لنيل حقوقهم الكاملة بالاجور والضمان الاجتماعي والتقاعد وبدلات الخطورة ، والنساء التحرريات من أجل المساواة المطلقة، والمثقفين الثوريين والعلمانيين من اجل دولة غير قومية وغير دينية، والطلبة في الجامعات من أجل مجانية التعليم في جميع المراحل الجامعية مع توفير المستلزمات المعيشية والمادية التمام الدراسة، وتنظيم حركة ضد الورقة البيضاء ومشاريع صندوق النقد الدولي التي تصب جميعها في فرض التراجع عن هذه الطبقة الطفيلية. فعبر التنظيم وحده وتحت آفاق سياسية ثورية ومستقلة يمكن الحاق الهزيمة بهذه القوى المجرمة.
ان هذه المهمة تقودنا الى مبادرة الشيوعيين في مواجهة إفقار الجماهير الممنهجة من قبل الطبقة السياسية الحاكمة. ان الحلقة المركزية في مواجهة هذه الطبقة المتفسخة والفاسدة في السلطة هي مسألتين مهمتين، الاولى إفقار الجماهير، والثانية مسالة الامن. ان المسالة الاولى تحتم علينا تنظيم الطبقة العاملة، القسم العاطل منها وتحويلها الى حركة منظمة ومسلحة بشعار (ضمان بطالة او فرصة عمل). سنتحدث بالتفصيل وفي مقال آخر عن هذا الموضوع، ولكن ما يهمنا هنا هو مبادرة الشيوعيين في تأسيس حركة ضد البطالة. وليس هذا فحسب بل يجب تنظيم جميع الاعتراضات الاجتماعية مثل المهندسين والمحاضرين والبيطرة والمهن الطبية تحت مظلة واحدة وتخليصها من المطالب الفئوية كي تحولها الى جبهة نضالية متراصة وعظيمة لانتزاع مطالبها العادلة من هذه السلطة البغيضة. ويجب الاشارة هنا على الطبقة العاملة في القسم العامل منه، تقديم كل اشكال الدعم المعنوي والجماهيري والعملي للقسم العاطل عن العمل، فالعاطلين عن العمل يقدر عددهم حسب احصائيات وزارة التخطيط ١٤ مليون شخص. إن الطبقة العاملة في القسم الإنتاجي عليه الادراك، ان هذا القسم خارج عملية الانتاج او العمل بشكل عام، اضافة الى انه جزء منها، فإن البرجوازية تستغله في فرض شروط عملها عليها عبر سياسة المزاحمة والمنافسة بين العمال. وقد شاهدنا كيف ان حكومة الكاظمي او الاحزاب السياسية الاسلامية التي تسيطر على مفاصل حكومية عديدة لجأت الى توظيف عدد من العاطلين او ترمي عليه عدد محدود من الدرجات الوظيفية الشاغرة بينما تضرب بعرض الحائط القسم الأعظم من العاطلين بعرض الحائط لدق اسفين في صفوفهم. ان الشيوعيين عليهم العمل بشكل دؤوب عبر الشرح المسهب بصبر وثبات وتأني عن الخطط الجهنمية للبرجوازية لاحتواء الحركة العمالية ووضع العراقيل أمام نموها وتطورها. بعبارة أخرى إن تأسيس حركة ضد البطالة هي مهمة آنية ولا يمكن لهذه الحركة ان ترى النور دون مبادرة الشيوعيين.
وفي مواجهة المسالة الثانية وهي غياب سلطة الامان، فيحتم على الشيوعيين ظهورهم على إنهم اصحاب المجتمع، في المبادرة بإحلال الأمن والأمان. إن هذه الخطوة هي صعبة للوهلة الاولى، لأن البرجوازية التي تحكم عبر ميليشياتها وزعت الرعب والخوف في المجتمع، واستطاعت كما اشرنا على سلب اية ارادة ثورية للجماهير حتى بالدفاع عن نفسها، ان غياب الدولة بمفهومها القانوني والامني، والعمل على ترسيخ هذه الاوضاع التي تسعى اليها تلك المليشيات، اعطت تصورا امام المجتمع لا حول فوق قوة هذه المليشيات، واقل سوءً منها هي ميليشيات العشائر. بيد أن انتفاضة أكتوبر بينت عكس ذلك. فجميع تلك العصابات والمليشيات ولت هاربة أمام الجموع السلمية الغاضبة. ان ما نريد ان نقوله على الشيوعيين تنظيم الجماهير كما اشرنا في المحلات والمناطق لمواجهة اللامن واللامان. أن الجماهير في كل مكان على استعداد لمواجهة هذه المليشيات اذا ما رأت هناك جمع من البشر مصمم على طرد الميليشيات من المحلات وإعلانها مناطق آمنة. ان الاستعراض التي قامت بها مليشيات الحشد الشعبي بمناسبة تأسيسها ليس الغاية منها ارعاب الولايات المتحدة الامريكية، فهي تعرف جيدا ان النظام البعثي بكل ما أوتي من قوة لم تصمد أمام ماكنتها العسكرية سوى اسابيع، إلا أنها أي مليشيات الحشد الشعبي، كانت تريد ان تبعث رسالة الى جماهير العراق بأنها باقية وانها لن تسمح بمعاودة انتفاضة اخرى. بيد أن نفس هذه القوة اختفت بين ليلة وضحاها أمام الجموع المليونية، وظل الفياض يهدد ويتوعد في الأيام الاولى من اكتوبر ولكنه لم يستطع الصمود سوى الاحتماء خلف المجرم عادل عبد المهدي واغتيال المتظاهرين مختبئ في خيمة الطرف الثالث. ما نريد ان نقوله ان هذا الاستعراض لم يكن أكثر من ارعاب جماهير العراق.
على الشيوعيين الادراك بأن الامن والامان لن يأتي عبر اي اية حكومة، وعليهم المبادرة في المحلات والمناطق المعيشية وستكون نقطة انطلاق لتنظيم جموع عظيمة من جماهير العراق بطرد المليشيات من المجتمع.
هذه الميادين هي ميادين العمل للشيوعيين. وعلى الشيوعيين أن يشمروا عن سواعدهم ويظهروا قيافتهم السياسية والاجتماعية وبأنهم اهلا بتخليص المجتمع من حثالة المجرمين واللصوص والفاسدين الذي جثموا على صدر الجماهير بحراب الاحتلال منذ ما يقارب عقدين من الزمن.
سمير عادل