الساعة السابعة صباحاً في يوم مشمس درجة الحرارة فيه تتجاوز الخمسين، أكملت أوراق معاملتي ودققت في المائة توقيع التي جمعتها في أسبوع، علماً تصنف ضمن أبسط أنواع المعاملات في العراق!!
أجرت أحد سائقي التكسي للذهاب للدائرة التي تخلوا من الحوكمة الإلكترونية، حالها حال أغلب مؤسساتنا.. سألني السائق ما كل هذه الأوراق؟! فبدأت الكلمات تنسابُ بسلاسة، تتبعها نبرة غضب من التعقيدات في جمع التواقيع المباركة.. وقلت حينها أن الخلل يكمن في الشعب الذي لم يخرج للإنتخاب، وترك صناديق الأقتراع لجماهير أحزاب السلاح واللادولة، عندها سادت بيننا لحظة من الصمت، ثم بدأ السائق بالحديث كأنني أخرجت ثور الكلمات الهائج في داخله.
أن بعض شعبنا يتبع كل من يستخدم معه العصا وتقييد الحريات، كذلك يفضل من يستعبده ويعامله بدكتاتورية مفرطة.. ياصديقي الخلل الحقيقي في كوننا لا نعرف معنى كلمة "الدولة" لأننا أنتقلنا من الخلافة العثمانية التي كانت تحكم بالحديد والنار، ثم دخلنا تحت الأستعمار البريطاني، كل ذلك ونحن نصفق لكل من يعتلي الكرسي، ويطبق نظام اللادولة، ولم نصفق لدكتاتورية صدام بل أن بعضنا رقص لها؟! لأننا نهوى من يغيب شمس بلادنا ويجعلها ليل..
ألا تعلم يا صديقي أن منذ 2006 إلى اليوم أغلب برامج المرشحين الإنتخابية تتمحور حول شراء الصوت الإنتخابي برصيد العشرة دولار، والبعض الآخر يكسب صوته بسلة غذائية أو عباءة نسائية، تخيل أن العشرين بالمئة الذين يخرجون لتحديد شكل الحكومة، تستطيع أن تشتريهم بخمسة وعشرون ألف دينار.. هذا السعر لا تستطيع أن تشتري به نصف خروف!
لم أسمع في يوم أن هناك كيان سياسي أو مرشح تحدث عن المنظومة الصناعية في بلدنا، أو كيفية إنعاش الوضع الإقتصادي المتهالك، كذلك الحوكمة الإلكترونية لم يتطرق لها أحد.. سوى قلة نادرة، لكن الجمهور لم يصوت لهم.. هؤلاء هم الجمهور المثقف الوحيد من ضمن 328 كرسي في البرلمان؟! تقريبا 5% فقط من جمهور الناخبين هو من يستطيع أن يفهم معنى "الدولة واللادولة".
قبل أن أصل إلى الدائرة أكمله حديثه قائلاً.. لو أردنا أقتصاد جيد وبنى تحتية وحوكمة إلكترونية تغنيك عن هذا التعب، علينا أن نرسخ مفهوم الدولة أولاً، لنخلق توازن طبيعي في يوم الإقتراع، يساهم في جعل شكل الحكومة صالح للعمل، لبناء دولة حقيقية بعيدة عن النار والحديد.. أما مقاطعة الإنتخاب من قبل الشعب، فلن تنفع سوى بترسيخ وجود السلاح ومنطق الرصاص في أروقة الحكومة.
وصلت إلى الدائرة لأسلم المعاملة أخيراً، إلا أن الموظف فاجئني بأن الطلب الذي قدمته وجمعت به ال100 توقيع مبارك، تنقصه عبارة من كلمتان! تذكرت حديث السائق حول أهمية المشاركة في الإنتخابات، وإنها السبيل الوحيد للخلاص من فشل الحكومات المتعاقبة، وخير دليل بأن التغيير موجود ويعتمد على كثرة المشاركة، حيث أن نائب من بابل نال 90 ألف صوت وبعدها خسر الإنتخابات.. إنتخاب الدولة هو الطريق الوحيد في إنقاذ العراق، ولنجاح هذا المشروع ما علينا سوى المشاركة الفاعلة في العرس الإنتخابي، لنصنع جيل جديد يفهم معنى "الدولة واللادولة".
محمد جواد الميالي