يُقال إن امتلاء المعدة يُفرح قلب الإنسان، لكنّ هذا القلب سيكون أسعد إذا اتّبع صاحبه سلوكيّات مستدامة طويلة الأمد. ووفقًا للتقرير الأخير الصادر عن جمعية القلب الأمريكية "إرشادات النظام الغذائي لتحسين صحة القلب والأوعية الدموية"، فإنّ الطعام الصحي للقلب يبدأ بأنماط الطعام التي تتبعها.
وهذا لا يعني التخلّي عن تناول الطعام خارجًا أو عن مجموعة الوجبة السريعة التي تشتريها من محال البقالة. بل تشجّع هذه الإرشادات الأشخاص على إدخال هذه العادات إلى نظام حياتهم.
وحدّد التقرير عشرة خصائص لأنماط الطعام الصحية للقلب، بينها توجيه للدمج بين نظام غذائي متوازن والتمارين الرياضية؛ واستهلاك العناصر الغذائية من الطعام عوضًا عن المكمّلات الغذائية؛ وتناول الحبوب الكاملة؛ وتقليص كمية الصوديوم والسكر وتناول الكحول؛ بالإضافة إلى استخدام الزيوت المستخرجة من النباتات غير الاستوائية؛ وتناول الأطعمة الجاهزة بدلًا من تلك فائقة المعالجة.
وقالت الدكتورة أليس ليشتنشتاين، مديرة مختبر التغذية للقلب والأوعية الدموية في جامعة تافتس "Tufts University" ورئيسة مجموعة الباحثين في جمعية القلب الأمريكية إن "المهم حاليًا هو أن يُجري الناس تعديلات يمكنها أن تكون مستدامة على المدى البعيد".
وابتكرت مجموعة كتّاب التقرير 10 خصائص للأنماط الغذائية الصحية للقلب. وتوسّعت المجموعة في الإرشادات، وأقرّت بالحاجة إلى الاستدامة، وبالتحديات المجتمعية التي قد تشكل عوائق لتحقيق التغذية الملائمة.
وأشارت ليشتنشتاين إلى أنّ سلوكيات الطعام اختلفت منذ آخر تقرير نشرته الجمعية مرفقًا بإرشادات غذائية قبل 15 عامًا. سابقًا، إذ كانت الخيارات الأساسية هي تناول وجبة الغداء أو العشاء في الخارج. غير أنّ عادات الأكل كانت أقل اتّساقًا في السنوات الأخيرة. إذ مع تفاقم الجائحة شهدنا إقبالًا على خيارات الطعام المريحة، مثل خدمة التوصيل لمجموعات الوجبات أو الوجبات الجاهزة.
التغييرات... فلتكن مستدامة
ووفقًا لليشتنشتاين، تركّز توجيهات "جمعية القلب الأمريكية" الجديدة على أن تجري تعديلات تلائمك، بغض النظر عن القيود الغذائية أو التعديلات الثقافية التي تريد تحقيقها. ولا تشجّع ليشتنشتاين الناس على إجراء تغييرات جذرية التي تفرضها الأنظمة الغذائية المبتدعة، بل عوضًا عن ذلك، تدعوهم إلى بذل جهود مستدامة لدمج هذه العادات الصحية التي قد يكون لها فائدة أكبر على المدى الطويل.
وأثنت لوري رايت، رئيسة قسم التغذية والنظم الغذائية في جامعة نورث فلوريدا الأمريكية، والمتحدثة الوطنية باسم أكاديمية التغذية والنظم الغذائية، على ذهنية المدى الطويل هذه. وشدّدت رايت التي لم تشارك في كتابة تقرير الجمعية على التركيز على بناء عادات أسلوب حياة، بغض النظر عن عمر الأشخاص وخلفياتهم.
ولفتت إلى أنّنا "حين نتحدث عن نمط أو أسلوب حياة، لا نقصد فقط نظام غذائي، أو شيء مؤقت".
وجاء في التقرير أن طريقة الأكل الصحية للقلب قد يكون لها فوائد أخرى، الأمر الذي يعزّز ممارسات أكثر استدامة للبيئة.
وقالت ليشتنشتاين إنه لا يزال هناك مجال للبحث عن البدائل النباتية، مثل المنتجات الحيوانية النباتية، التي لا تُعتبر الخيارات الأكثر صحية دومًا. لكن عمومًا، فإن تناول المزيد من الأطعمة الكاملة والتقليل من استهلاك المنتجات الحيوانية قد يفيد صحتك والبيئة.
وللمرة الأولى يعترف التقرير أيضًا بالتحديات المجتمعية، مثل انعدام الأمن الغذائي والمعلومات الخاطئة عن النظام الغذائي، والعنصرية البنيوية، التي يمكن أن تؤثر جميعها على النظام الغذائي للشخص وإمكانية حصوله على الطعام. وقد وجدت دراسة أجرتها جامعة نورث وسترن عام 2020، أن الأسر من ذوي البشرة السوداء، أو من أصول إسبانية يتعرضون على نحو أكبر لخطر انعدام الأمن الغذائي.
تعديل واحد في كل مرة
ويمكن أن يساهم التثقيف الغذائي المتكامل في سن مبكرة إلى ترسيخ عادات أكل صحية مدى الحياة، إذ أوضحت ليشتنشتاين أن التركيز يجب أن يكون على الوقاية عوضًا عن الحلول القصيرة الأمد.
وأضافت أنّ الأطعمة الصحية أصبحت أكثر ملاءمة. فالفاكهة والخضار المجمّدة، الأقل كلفة من الطازجة، تتمتّع بفوائد غذائية مماثلة. ولدى منتجات الألبان خيارات قليلة الدسم أو خالية من الدهون. كما تتوفر المياه الغازية المنكّهة بسهولة كبديل عن المشروبات الغازية (الصودا).
وقد يكون مرهقًا إجراء هذه التعديلات دفعة واحدة، لذا تنصح ليشتنشتاين بأن يبدأ هذا التحول من خلال إدخال عنصر واحد كل فترة. وطلبت قراءة الملصق الموجود على إحدى الوجبات الخفيفة التي يشتريها المرء أسبوعيًا، مثل البسكويت، ونصحته باختيار المصنوع من القمح الكامل، أو اختيار تلك التي كُتب على ملصقها أنها قليلة الدسم أو السكر، في حال توفرها.
أما القدرة في الحفاظ على هذه العادات، فترتبط بإجراء تعديلات طفيفة وتغيير تدريجي في نمط الطعام الخاص بك.
ودعت ليشتنشتاين إلى التفكير في "نمط نظامك الغذائي الشامل، وليس بوجبة غذائية واحدة أو عناصر غذائية معينة"، لافتة إلى أنّه "علينا فقط الإفادة ممّا لم نكن ندرك ربما أنه كان في وسعنا تحقيقه".