عالية محمد علي
لدي أعتقادٌ ما , ربما سيكون نظرية في نظريات الحماية النفسية التي نحن بأمس الحاجة لها في عالم أصبحت مادته مكوّنة من الرصاص والأسفلت والدم , وشخوصه كثير من الجرحى والقتلى والمرضى على أهون الأحتمالات , ويتعلق بكيفية حماية هذا المخلوق الجميل الذي هو الأنسان من الأنقراض الروحي .
لذلك أُرسل اليك خطاباً بعطر المحبة أيها المخلوق البديع لتصنع عالما داخلياً قوياً داخل ذاتك ، ولتروّض نفسك على الصهيل كمهر أصيل داخل سور تسوّر به روحك لتحميه من قشرتك الخارجية المعرّضة دوماً للخدوش او الطعنات , فليكن لك حقلاً وبيتاً داخل نفسك تلجأ اليهما وقت غروب أشيائك ، تبذر فيه بذور النباتات التي تحبها وتبني أعشاشأ للطيور التي تتمنى الأمساك بها وملامسة ريشها . وتُجري فيها نهراً من أحاسيسك ، نهر ليس كأنهار العالم الملوثة بالمخلفات الصناعية أوالجثث , ماؤه سائغ صالح للشرب ، وتبني عليه جسرأ منخفضاً يجعل قدميك تصلان لمائه وأسماكه الصغيرة التي تسبح و تلهو بظلك دون خوف من أسماك البيرانا المتوحشة التي اتمنى ان يكون نهرك الروحي خالياً منها . بيتاً تحتفظ فيه بأحلامك وكتاباتك وقصائدك ومقالاتك وماخطته أصابعك وجاد به فكرك في أدراج بيضاء في غرفة مكتبتك ، تجلس مسترخياً لتستطيع الاجابة عن كل أسئلة الحياة وأسئلة الأخرين وأنت تبتسم ، تنظّم وقتك في ذلك البيت الخيالي الذي تسكنه ذاتك بعيداً عن معاول الهدم التي تطرق أسفل جدارك ، كن أنت على الفطرة في بيت روحك الذي لن يُصبح خيالياً بالتدريج والتدريب والممارسة ، فسرعان ماستبدو معالمه بالأرتفاع حينها سيظهر لك السقف رويداً رويداً ليحميك من الرعود وستكتفي حينها برذاذ مطرك الذهني المتوقد ، خلّ عنك هموم يومك والجأ لقوس قزحك الذي أبدعه اصرارك ، وعش كما تريد هناك ، كلما طالت فترة مكوثك في بيتك وحقلك الداخلي ستكون أكثر تماسكاً في بيت واقعك ، لن يهددك أحد بالإخلاء لأنك تسكن في ذاتك ، ولن تُفلح قوة في هزّ كيانك لأن لك جذوراً تغور عميقاً في أغوار قلبك الذي ينبض بقوة ارادتك ، لازلنا أطفالاً نفتقد الأدراك بوجود دواخلنا ، فلنحاول الدخول ولنكبر هناك على مهلنا ، ولنقطف التين والزيتون ونصطاد الأسماك ونفتح المحارات ونستخرج لؤلؤ الماء العذب لنعمل منه قلائد نهديها لمن يستحق . هناك في الداخل تجري تصفية ذهنية لكل هموم وأكدار الحياة ، نحن عاجزون عن فصل الكدر من حياتنا لاننا نعيش الكدر ، بينما في عالمنا الداخلي نستطيع تشخيص ما يُتعبنا تمهيداً لعزله بمصفاة نمتلكها فقط في عالمنا الداخلي ، أقرأ هناك لان القراءة الجادة ترصف دربك بكل ما تحتاجه من خبرات والموسيقى وسيلتك للأنتقال الى هناك والتنفس العميق سيجعل نبضات قلبك أقل عدداً فيرتاح ذلك الخافق الذي أتعبته بما لا يُجدي .
لن تكون نشطاً متفتحاً واثق الخطوة وأنت تتجول في ملكيتك الروحية وجسدك المادي خامل ومتقاعس يجول بحثاً عن أقرب وسادة طلباً للراحة من الكسل ! إبنِي عضلاتك وقوّي رئتيك في جسدك الملموس بذات الوقت الذي تضع فيه اللبنة على اللبنة لبناء سور بيت الروح ، كل ماخُلقنا به مترابط ومتحد فلا تغفل عن ذلك ، ولا تكن أنفصالياً تعمّر جزءاً وتفسد الجزء الأخر وبأهمال متعمد ! الحياة ليست معركة كي نتقاتل للفوز بها لمجرد الانتصار على الأخرين . لاتنظر لغيرك بتعالٍِ وكأنك القطب الأوحد للعالم وهم يدورون بمدارك , أنظر نظرة انسانية لكل المخلوقات فذلك يجعل تربتك خصبة لتنمو بها كل أشجار الطمأنينة والوئام . الحياة أن تنتصر على ذاتك لأنها عدوّتك ، هادنها وفاوضها حتى تكسبها , شعورك بالسلام الداخلي ناتج عن مفاوضات الصلح في عالمك الداخلي ، هناك لا سلاح تشهره سوى الوردة والأبتسامة ، والقائد المُدرك لا يخوض معركتين في الداخل والخارج بآنٍ واحد ، أنتصر على ذاتك الداخلية أولاً ومن ثم ستستطيع محاربة الشر والإنتصار عليه في واقعك ، حينها لن تقوى قوة على الوقوف أمام توازنك الروحي في عالم الواقع فتدوم لك حالة النصر . ستصل الى درجة الرضى والتسليم وستتقبل الواقع بكل دماره وستلاحظ حالة الهدوء التي ستصبغ شخصيتك الواقعية ، وبأمكانك حتى مخاطبة من ترتاح معهم في عالمك الداخلي وربما ستقوى عندك ملَكة التخاطر وستحصل على كثير من الأجابات التي فشلت في الحصول عليها وأنت بحالة النزاع الدائم مع ماتريده ويريده الأخرون في عالم واقعي شعاره التحدي مبني على المصالح غير المشتركة , كن أنت وكما تريد أن تكون ، وتذكّر أن أساسات بنائك الروحي القوي هناك لن يصل اليها أحد ، فكلمة السرّ تحتفظ بها وحدك ، ولن تنتزعها منك قوة على الأرض ، الله وهبك مالم يهبه لغيرك ووهب غيرك مالم يهبه لك , فآمن بهذا الشيء وتحرك بمساحة ما هو لك ولا تكن جائراً على هبات الأخرين ، لديك فكرك الخاص فتمتع بأفكارك ولتكن أفكار الأخرين قوة مساندة لما تحتاجه من معلومات لأكمال بنائك ّرمّم ما تآكل من الفرح بفعل عالم يدعو للحزن والرثاء ، فما كان ليصيبنا لم يكن ليخطئنا . آمن بأن وقوفك على قدميك لايكون وأنت تحبو في عالمك الداخلي ، قف مستنداً على جدار الخير ، وأن كانت عوالم غيرك تصاحب الشر وتلهو معه وتستفيد منه ، فهذا ليس بمبرر لك لتخوض مع الخائضين . أبتسم للشر أبتسامة أستهزاء وأدر ظهرك له وكن واثقاً بأنه لن يستطيع طعنك من الخلف لأنك بداخل أسوارك التي بنيتها بأحكام ، قلعة روحك لن يهدمها منجنيق الشر وأنت مُلك نفسك ، ولن تخوض لعبة شطرنج بقصد كسر خصمك , لأنك ستكون وقتها قوياً بما يكفي ، فقط لمراقبة .. اللعبة !