فائزة الفدعم
(وصبغت ماصبغ الزمان فلم يدم صبغي ، ودامت صبغة الايام)
كان اول حج لوالدي عام 1946 ، وكان عمري وقتها ستة اشهر والحجة الثانية كنت في السادسة من عمري وكنت متعلقة بوالدي لدرجة كبيرة ، كنت انتظر عودته من الديار المقدسة كل يوم حتى جاء اليوم الذي عاد فيه من الحج ، كان دارنا آنذاك على نهر خريسان مقابل جامع الشابندر وكان البيت واسعاً من طابقين تزينه الشناشيل وطابقه الثاني يحتوي على غرف متسعة في كل غرفة مدفأة مبنية داخل الحائط ، كان الضيوف يأتون زرافات ووحدانا والطابق الاول مخصص للنساء يطل على الشارع الممتد من دارنا الى دار السيد أحمد أفندي وكان القهوجي يعمل قهوة الضيافة والشاي في ممر متسع في مقدمة الدار يدعى ( المجاز ) والطباخين كانوا في الشارع والقدور ممتدة واحدة قرب الاخرى وثقيلة الوزن مصنوعة من النحاس المبيّض الذي يسمى ( الصِفر ) ، وكان نهر خريسان حينئذ بدون سياج وكان المسؤولين عن اعداد الطعام يضعون الأخشاب التي تستخذم للطبخ بجانب حافة النهر وكان اصدقاء الوالد ومحبيه يقومون بزيارته للتهنئة منذ الصباح وحتى المساء من بعقوبة وأطرافها ، وكانت النسوة من الصديقات يجلسن في باحة الدار الشرقي على اهبة الاستعداد لعمل الشربت الذي كنا نصنعه من عصير البرتقال والليمون المعتق في موسم القطاف كل عام والمحفوظ في دواليبنا الخشبية المبنية في الحائط وبعضها يحفظ في السرداب على رفوف ، فيقمن النساء باستلام الهدايا ووضعها في غرفة قريبة من المطبخ تسمى غرفة الحطب والتي يتم فيها خزن كمية الحطب التي تكفي للاستخدام لمدة سنة وذلك لعمل الخبز وكوقود لتسخين مياه الحمام وفي اليوم الثالث لعودة والدي سمعنا همهمة لاصوات رجال ( سووا درب سووا درب جوي الشيوخ ) !
وانا جالسة جنب والدي جاء ابن عم والدي السيد محمد الحجية ابو قيس واقتادني من يدي واخرجني للشارع ووقف الوالد بانتظار الشيوخ فاذا هم العالم السيد عبد الكريم المدني والشيخ صفاء الدين رحمهم الله ورزقهم جنات النعيم .
دخلوا الدار مع بعض مريديهم فرحب الوالد بهم بإجلال واحترام وتجاذبوا اطراف الحديث الذيذ تميز بالألفة والمحبة وتبادل عبارات الاخاء ، وقال الوالد اليوم المنقبة النبوية يحييها المقرئ السيد عبد الستار الطيار فترجاهم والدي للبقاء حتى موعد المنقبة لكنهم اعتذروا لان لديهم بعض الالتزامات التي يجب تاديتها فهممت الصعود للدرج لكن والدتي قالت لي اذهبي للعب مع اقرانك الاطفال قرب نهر خريسان لانه كان وقتها شبه جاف فهذا الوقت كان وقت كري النهر وكان رئيس العمال وقتها اسمه محمد ولديه دكان مقابل بستان اصبحت فيما بعد مدرسة الوثبة وكنا ننزل عصرا فنقوم بحمل كارتونة او تنكة صغيرة لصيد الزلنطح والضفادع والسلاحف والاسماك الصغيرة والمرميح وابو الزمير كان الزلنطح يقف على الطين الموجود على جوانب النهر فنضع الصيد في كارتونة ونصعد على الجرف لان خريسان كما ذكرت سابقا كان بدون سياج فتبدأ المباراة بان يضع كل طفل الزلنطح خاصته ارضا وبالتشجيع والتصفيق له ونردد ( زلنطح طلع گرونك وانطح فيبدأ السباق ) بين طفلين يمتلك كل واحد منهما زلنطح فكانت نتيجة السباق ان يضرب صاحب الزلنطح الرابح صاحب الزلنطح الخاسر ( عجل ) اي صفعة قوية على الخد واحياناً ينقلب المزاح الى معركة بين الطفلين اذا كانت الضربة من النوع الثقيل فكان الاطفال يقومون بدعك الاصابع للتحضير لهذه الصفعة وعندما يحمي وطيس المعركة بين الصغار يتدخل حينها الأهل وينتهي كل شئ برمي كل ماجنيناه في نهر خريسان .
صادف عند ذهابي لاجلب الزلنطح أن اصطدت سمكة صغيرة فما كان من احد اطفال الجيران الا ان باغتني وقال (هاي مالتي ) ! فرفضت إعطائها له فعضني من يدي فعدت باكية وكانت المنقبة قد بدات والكل فرحين الاّ أنا كنت ابكي فقد كانت العضة مؤلمة جدا وكل محاولات اسكاتي باءت بالفشل .