ثامر الحجامي
لطالما كانت العملية السياسية في العراق حبلى بالمفاجآت، سواء على مستوى الاحداث أو مستوى الشخوص، ولعل أبرز تلك الاحداث هي النتائج التي تظهر بعد إجراء كل إنتخابات برلمانية، فتتغير موازين القوى السياسية فيها، صعودا أو هبوطا دون أن نلحظ إستقرارا في مقاعد أي كتلة برلمانية مشاركة في العملية السياسية.
كان من نتيجة عدم الاستقرار هذا هو ما حصل بعد إنتخابات 2021، وكيف إنقسمت القوى السياسية فيما بينها الى درجة كسر العظم وإجتثاث الطرف الاخر، حتى وصل الصراع بالأسلحة الى شوارع المنطقة الخضراء وإقتحام القصر الرئاسي، وبقي العراق بدون حكومة لمدة عام كامل، يعض كل طرف على إصبع الاخر بإنتظار أن يصرخ من الألم، مما هدد العملية السياسية بالإنهيار وإدخال العراق في نفق مظلم يعرف أوله ولا تعرف نهايته.
بعد هذه الفوضى الكبيرةالتي لم تشهدها العملية السياسية سابقا، إنجلت الغبرة وإنقشعت الغيوم بتكليف السيد محمد شياع السوداني رئيسا للحكومة ونيلها ثقة مجلس النواب في 27 تشرين الثاني 2022 معلنة بداية مرحلة جديدة في الواقع السياسي العراقي، اساسها المراهنة على النجاح وتجاوز إخفاقات المراحل السابقة، والتخلص من التراكمات التي عطلت عجلة النمو والبناء، وتلافي المشاكل الكبيرة التي عانت منها شرائح كبيرة في المجتمع العراقي.
لعل أبرز المهام كانت أمام الحكومة الجديدة، كان إستعادة ثقة الشارع العراقي بالعملية السياسية أولا وبالأداء الحكومي ثانيا، بعد فقدانهما بسبب الاحداث التي سبقت تشكيلها والاداء الفاشل للحكومة السابقة، ثم جملة من الملفات الكبيرة على الصعيد المحلي والاقليمي والدولي، أهمها كان محاربة الفساد الذي نخر أساسات العملية السياسية، ومن أبرزها صفقة القرن التي لم تنتهي فصولها الى الان، وعلاقة المركز مع الاقليم التي ما زالت تجري وفق تفاهمات خارج نصوص الدستور ! .
على المستوى الاقليمي والدولي، نجحت الحكومة الى حد ما في مد اواصر العلاقات مع الدول الاقليمية والعالمية لاسيما المؤثرة منها، وكان لزيارات رئيس مجلس الوزراء لدول عدة تأثير في إشعار تلك الدول بحقيقة الواقع السياسي في العراق، لكن النجاح الابرز هو أبعاد العراق عن الصراع الكبير الذي يجري في الشرق، وعدم إدخاله في أي محور من محاور الصراع، مع الاحتفاظ بثوابت العراق الاساسية في دعم الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني، هذا الدعم الذي تحول الى واقع ملموس على الارض وليس مجرد شعارات.
ينظر العراقيون الى الملف الابرز الذي واجهته الحكومة وهو ملف الخدمات بنظرات متباينة، فبعضهم يراها لم تحقق المنشود، وآخرون يرون أنه ليس بمستوى الطموح، بينما بيانات الحكومة تؤكد أنها أنجزت ملفات كبيرة وكثيرة على مستوى الخدمات والتوظيف وتخفيض نسب البطالة، وإكمال مشاريع كان متعطلة ومتوقفة منذ سنين عدة، لكن كل هذا لم يرضى طموح العراقيين الذين ما زالوا يعانون من بنى تحتية متهالكة تحتاج سنين من العمل المتواصل للنهوض بها.
تحديات عدة تواجه الحكومة الحالية، لعل أبرزها التحديات المالية والنقدية، والنهوض بالواقع الاقتصادي العراقي، وإنهاء مهام التحالف الدولي في العراق، والنهوض بمستوى الاداء الحكومي الذي يستلزم عدة تغييرات وزارية، والحرص على أن يكون العراق منطقة للإلتقاء وليس ساحة للصراع.