مقامة الشتاء

أحد, 11/17/2024 - 11:53

 

صباح الزهيري

 

يقول السياب : (( دِفءُ الشِّتَاءِ فِيـهِ وَارْتِعَاشَةُ الخَرِيف , وَالمَوْتُ , وَالميلادُ , والظلامُ , وَالضِّيَاء , فَتَسْتَفِيق مِلء رُوحِي , رَعْشَةُ البُكَاء , كنشوةِ الطفلِ إذا خَافَ مِنَ القَمَر , كَأَنَّ أَقْوَاسَ السَّحَابِ تَشْرَبُ الغُيُومْ , وَقَطْرَةً فَقَطْرَةً تَذُوبُ في المَطَر , وَكَرْكَرَ الأَطْفَالُ في عَرَائِشِ الكُرُوم , وَدَغْدَغَتْ صَمْتَ العَصَافِيرِ عَلَى الشَّجَر)) , يخافه الأهل , ويحبه الأبناء لأنه شهر الحكواتية والحكايات , يحتجز الكبار في المنازل ويطالبهم الصغار بحق التسلية , بما قد حفظوا عن آبائهم من قبل , اليوم حكاية الزير, وغداً واحدة من كليلة ودمنة, وعندما تفرغ الجعبة من قصص بنات آوى , يبدأ الحكواتيون بالتندّر بحكايات أهل المحلة , ولكل منهم لقب جديد , أو موروث , الواوي (لقب الجبان) , والسعلاة , وسبيع والطنطل .

 

في ألأقوال الشعبية : (( الشتاء شم وغم , والربيع أشكر ولا تذم , والخريف اجري ولم , ومحلى الصيف لوكان يتم , قال الربيع أنا بزهوري , وقال الصيف انا ببحوري , وقال الخريف انا بتموري , وقال الشتاء انا بكانوني و بخوري , الشتاء شدة , والربيع منام , والصيف ضيف , والخريف بركة العام )) , لا طير على مدّ النظر , الدكان مغلق والساحة خالية تصغي في وجل إلى صفير الريح ولجاجة المطر, العتم يتكثف , مستعيراً من نفسه غابات من الظلام , الليالي تطول والفجر يتأخر , النجوم تتوارى وبريقها يغيب , الهطول مستمر وملح ولجوج , البرق يتكاثر إنه مثل المطر نازل من السماء طالع من الأرض , تتدفق متفجرة متدحرجة متواقعة من الأرجاء والنواحي والأقنية , تتجمع مثل بحر صغير فوق يابسة لا تتسع له . تغني فيروز : (( قديش كان في ناس عالمفرق تنطر ناس , وتشتي الدنيا ويحملوا شمسية وأنا بأيام الصحو ما حدا نطرني , قديش كان في ناس عالمفرق تنطر ناس , وتشتي الدنيا ويحملوا شمسية , وأنا بأيام الصحو ما حدا نطرني )) , وفي كل عام يأتي الشتاء , ويلفظ الكون أنفاسه المتسربله بالأحلام , وتمسح الشمس بكل لطف على جبين الأرض , وتخفض اشتعالها , و تتناثر قطرات المطر بهدوء ورقة , وكأنها تهمس في آذاننا بصوت خافت , تفاءلوا , ما زالت الحياة مستمرة , ومازال الأمل موجوداً .

 

قال أمل دنقل : (( يا عصافير الشتاء لا تلوميني , إذا الطوفان جاء )) , وفصل الشتاء هو فصل القلوب الهادئة , والنّاس المبدعة , هو فصل الهدوء والموسيقى , فصل الشعر والكتابة , فصل الحب الذي يتم احترافه مع تلك الأيّام المميّزة , وأنا أحب الشتاء وأعشق المطر, أحب الرعد والبرق والرّياح القويّة , أحبّ أن أجلس مع بطانيّتي وكتابي , وبجانبي ضوءٌ خافتٌ , والجوّ يبعث على الرّاحة النّفسيّة المطلقة , فأستمتع بهذه اللّحظات الثّمينة الّتي لا تُقدّر بثمن , لو تعلمون كم يدفئني البرد , ويلهبني جمر الحب , وترويني قطرات الشتاء , وتنعشني أنسام الرياح , وتمتعني ألوان طيف قوس القزح . قال فيودور دوستويفسكي : (( الشتاء بارد على من لا يملكون الذكريات الدافئة)) , برد وعتم وأمطار وطوفانات متمردة , صفِرة تجرف في طريقها الأمل بالحصار, وحسابات البيادر, تتجمّد المياه على أغصان الأشجار العارية مثل أضواء شفافة على ثريا , صقيع يلفّ الأودية والهضاب والأهالي والأعالي , العتم يقصّر النهارات , والشمس تأوي باكراً , مثل الرعيان المتخوفين من عاصفة , الطرق زلّاجة العشب اليابس , السواقي ترسل من بعيد أصوات تجمع الأمطار , الناس في البيوت تخشى أن تظل تهطل إلى أن تجرف ما بنوا من جدران وسدود , تدور الناس داخل البيوت حول نفسها , وحول المواقد وحول جيرار المؤن ,آه لو تترك مطرك عندنا وتمضي . قال أنطون تشيخوف : (( إن الذي لا ينتبه إن كان الفصل صيفًا أو شتاء فهو شخص سعيد )) , يتسلون في ليالي شباط الكالحة , ومن غضبهم يسمي القرويون الشهر الثاني في الشتاء ( شباط اللباط ) , لكنهم إذ يخافون غضبه , يستدركون ويدللونه ( شباط لو شبط أو لبط ريحة الصيف فيه ) , إنه شباط في كل مكان , له اسم واحد وبرد وعتم , وقرى ترتعد حول المواقد التي ترمي نارها في الرماد , قال روبرت بيرتون : (( لا تقطع شجرة في الشتاء , لا تتخذ قرارًا سلبيًا في الأوقات الصعبة , لا تتخذ أهم قراراتك ومزاجك في أسوأ حالاتك , تريث واصبر , ستمر العاصفة , وسيأتي الربيع )) .

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف