ولاء العاني
عشت كغيري ممن عاش فترة صعبة في أوربا بعد موجة تدفق عظيمة غطت كل شوارعها تقريبا.. ما بين سائراً على قدميه لايام وآخر ممتطيا عباب البحار أو راكبا الشاحنات وعربات التهريب . وكنا كلما صادفنا أحدهم عرضنا عليه المساعدة أينما كان في اي دائرة أو عند الطبيب او المحامي فقد امتلأت كل الأماكن بهم .
وفي زحمة هذا الكم الهائل، وعندما كنت ذاهبة الى العمل في احد الايام صادفت احد هؤلاء وكان لي معه موقف طريف .. بدا بائسا ضائعا تائها يسال الناس العون باللغة العربية فعرضنا عليه جميعا المساعدة وتلقفته أيادي المحسنين الذين ذاقوا مرارة البعد عن اهلهم حتى وصل عندي فما كان مني إلا أن قلت له : ساصل انا إلى هذه المحطة وبإمكاني اخذك معي اليها ايضا فلا تخشى شيئاً . قدم لي شكره وامتنانه على صنيعي وبدأ في المسافة القصيرة تلك يحكي لي حكايته وكان محملا باغراض قد تكون شخصية ثقيلة عدا الهموم التي تركها خلفه عن اهله في سوريا وزوجته وأطفاله الذين يتواجدون في مدينة أخرى وجاء يبحث عن عمل في برلين، لكن لم يحالفه الحظ بسبب جهله لأبسط ابجديات اللغة الالمانية . فجأة ركب معنا موظفي التفتيش . وحين اقتربوا منا كان القطار قد وصل الى المحطة التالية ! .. طلبوا منه التذكرة فقال :
ليس معي وهذه السيدة هي التي تتحمل تكاليفها أو الغرامة ! .. المشكلة انه مصر على التعامل معهم باللغة العربية التي يعرفها وانا مضطرة للترجمة رغم موقفي الصعب مع هذا المحتال . انكرت بالطبع معرفتي به وهي حقيقة وليس من الصحيح ان اكذب . انشغل المفتشين مع مسافر آخر . لكنه قفز بسرعة وولى هاربا بين الجموع . ركضوا خلفه لكنهم اضاعوا حتى ملامحه . أغلقت أبواب القطار وأكمل مسيرته إلى وجهته حاملا معه قصصا كثيرة كهذا الذي ادى ذلك الدور البائس المخزي .. لم اخسر شيء، لكنني تعلمت درسا بليغا من مدرسة الحياة عن كيفية التعامل مع هكذا مواقف غريبة .